تناولنا في الحلقة السابقة أهمية معرفة الله ورأينا كيف أن معرفتنا لشخص الله تثير وتضرم في أعماق قلوبنا محبة ملتهبة لأجل شخص الله ذاته وليس لعطاياه أو أعماله، وكيف أن هذا النوع من المحبة هو الذي يستمر عبر الزمن والصعاب بل أيضاً يزيد. كذلك رأينا أهمية معرفة الله في أنها تجعلني أثق في شخص الله مهما كانت المواقف. والسبب الثالث أن هذه المعرفة لشخص الله هي التي تغيرني وتشكلني وتقدسني.
في هذه الحلقة سوف نتناول السببين الأخيرين (الرابع والخامس) من أسباب أهمية معرفة الله وهما:
عندما يوجد تواصل وتفاهم بين أي شخصين بطريقة جيدة، ينتج عن هذا راحة وسرور وسلام لكل أطراف العلاقة، لأن هذه المعرفة وهذا الفهم عن الآخر.. عن كل ما يضايقه ويزعجه أو يسره ويفرحه، تجعلنا نعرف كيف يمكننا أن نتعامل معه. ولكن إذا لم يتوافر لنا حجم المعرفة المناسب لبعضنا البعض فسوف نسبب الكثير من المشاكل والمضايقات على الرغم من عدم توافر القصد والنية لذلك ودون أن ندري أيضاً إن كنا قد صنعنا أمراً ضايق الطرف الآخر أم لا. كذلك، هناك أمور كثيرة تبدو في الظاهر حسنة نصنعها وقد يفهمها الآخر بطريقة خاطئة ويسبب هذا غضباً كثيراً. وأحياناً قد نعبر عن محبتنا للآخر متوقعين قبول هذه المحبة بالعرفان لكن نفاجأ أن الاخر قد فهمها بطريقة مختلفة على أنها سخرية منه.
أغلب العلاقات الزوجية مليئة بعدم الفهم سواء من جانب الزوج أوالزوجة كلٍ واحد تجاه الآخر، رغم أن معظم هذه الزيجات جاءت نتيجة قصص حب عظيمة ومشاعر ملتهبة متدفقة، ونتيجة لذلك فإن عدد الأزواج والزوجات الذين يستمرون في علاقة الحب الأولى التي نشأت بينهم قليلة جداً.
عندما نفهم بعضنا البعض تكون هناك راحة في التعامل، هكذا الأمر في علاقتنا بالله، قد تظل علاقتنا بالله مشدودة ومتوترة نتيجة عدم فهمنا له رغم أنه يفهمنا جيداً ويريد ويستطيع أن يريحنا، ولكن لأننا لا نفهمه ولا نعرفه فدائماً عند حدوث أي موقف يشوبه الألم، أصرخ في وجه الله شاكياً مطالباً بتفسير أو محتجاً معترضاً ومتسائلاً لماذا فعلت ذلك؟
فنحن نتهم الله دائماً أنه وراء كل الأحداث الأليمة التي حدثت وتحدث في حياتنا, بينما إذا عرفنا الحقيقة بل بالحري إذا عرفنا من هو الله وكيف يحبنا وأنه غير مُجربِ بالشرور بل على العكس تماماً فهو يحمينا من الشرور ويحولها إلى الخير… إذا عرفنا الله سوف نمتلئ فرحاً وسروراً وسلاماً حتى في عمق تجاربنا والآمنا.
وأعظم مثال يسوقه لنا الكتاب المقدس هو قصة يوسف. كلمه الله برؤى وأحلام بأنه سوف يكون عظيماً والشمس والنجوم سوف تسجد له, وكل الحزم الأخرى سوف تنحني أمام حزمته، ولكن مرَّت الأيام واُلقي بيوسف في البئر ثم بيع عبداً لقافلة الإسماعليين حسداً وغيرة، وأصبح هذا الطفل المدلل ذو القميص الملون عبداً ذليلاً. وهنا نتساءل: إذا لم يكن يوسف له معرفة واضحة حقيقية بالله، ترى كيف يمكن أن يكون رد فعله تجاه الله؟
بكل تأكيد سوف يكيل لشخص الله الاتهامات وينهال عليه بالصرخات متوجعاً ولائماً من كل المواقف والإساءات التي حدثت له، لكن يوسف كان يعرف ويفهم من هو الله جيداً فهو عالم أن الله لا يصنع الشر ولكن ما حدث معه كان نتيجة شر إخوته وشر إمرأة فوطيفار وليست يد الله، كذلك كان يعرف أن الله يستطيع أن يحول هذا الشر إلى خير ويُخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة فهو لا يريد ولا يصنع به شراً.
كم من المؤمنين الذين لهم سنوات وسنوات مع الله يسألون: لماذا يُجربنا الله؟ رغم أن الكتاب يقول “لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَداً” (يع1: 13).
لأننا لا نفهم ولانعرف من هو الله لذلك فنحن غير مرتاحين في علاقتنا بالله.
في نهاية قصة أيوب عندما التقى بالله وفهم من هو قال له: “بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذَلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ” ( أي42 :6،5 ).
لقد اعترف أيوب أمام الله أنه أخطئ بالقول في شخص الله نتيجة لعدم الفهم والمعرفة، ولكن عندما أعلن الله لأيوب عن نفسه، رجع عن الكلام الذي تفوه به على الرغم من أن الله لم يكن قد رد سبيه بعد، لكنه عرف من هو الله وعندما عرفه سقطت كل الشكوك والمخاوف والكلام الخاطئ الذي قاله عن الله وتاب عنه لأنه رأى الله في كماله وجلال مجده .
هل الله يرتاح في حياتك وفي علاقته بك؟
عزيزي المشاهد أدعوك أن تجيب على هذا السؤال واليك ما يسهل عليك الرد، هل تشعر بالراحة في علاقتك بالله ؟
إذا كنت تشعر بالراحة في علاقتك مع الله، ثق تماماً أن الله هو ايضاً يشعر بالراحة في علاقته معك.
يجب أن تشعر بالراحة والسلام والفرح في علاقتك بالرب لكي يستطيع هو أن يشعر بالراحة في داخلك.
هل تعرفه جيداً وتعرف أن تستريح بين يديه ؟
” فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلَكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ. 6لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ( 2 كو 4 : 6،5 )
في شهادتنا وكرازتنا عن الله لا نحكي عن حياتنا واختباراتنا الشخصية، فلسنا نكرز بأنفسنا ولكن نكرز بالمسيح رباً وبأنفسنا عبيداً, أي أننا نكلم الناس عن يسوع،
كما قالت “المرأة السامرية “: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟» فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ.” ( يو 4 : 29, 30)،
ففي حديثها أشارت إلى يسوع وكل المدينة خرجت إليه لتلتقي به، وعندئذ قالوا لها هذه الكلمات:«إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ»( يو 4 : 42 )
الشهادة والخدمة المؤثرة هي أن تُشير إلى يسوع. يقول الكتاب المقدس: “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب ” لأنه رائع وكامل الجمال، مؤثر يسبي القلوب والعقول.
والسؤال الآن هو: كيف ستقدمه للآخرين وأنت لا تعرفه جيداً؟ بقدر ما تراه وتعرفه تستطيع أن تقدمه وتمجده في أعين الناس، وبقدر ما هو مُبهر بالنسبة لك ستُبهر الناس به، فأنت لا تستطيع أن تصف مشهداً للناس دون أن تراه بعينيك ولا تستطيع أن تقنع الآخر بحقيقة أنت غير مقتنع بها .
يقول الرسول بولس هذه الكلمات: “هَادِمِينَ ظُنُوناً وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ،” ( 2كو 10: 5 ).
نحن نستطيع أن نهدم ظنوناً وكل علو ونستأسر كل فكر لطاعة المسيح ونستأسر أفكار الناس ، كيف؟ لأننا نراه ونعرفه ومقتنعون به “الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ” (1يو1:1)
أحياناً، نصور الله للناس بأنه الإله الذي يستجدي عطفهم ونحاول أن نثير شفقة الناس ليقبلوا المسيح رباً، لكن ما نتعلمه من عظة بطرس يوم الخمسين مختلف تماماً، فقد قال: هذا أقامه الله ورفَّعَه ، هذا الذي جال يصنع خيراً وبأيدي أثمة صلبتموه قد قام ونحن شهود لذلك، رأيناه وقد قام من بين الأموات. وكانت نتيجة عظته رجوع الالآف للمسيح ( راجع أعمال الرسل الأصحاح الثاني ).
إنتبه لهذا الأمر، بقدر ما نعرف ونفهم من هو المسيح بقدر تأثير شهادتنا وكرازتنا، فشهادتنا هي إنعكاس لمعرفتنا له.
• إنتبهوا لهذه الحقائق الخمس التي تحدثنا عنها في هذه الحلقة والحلقة السابقة، أليست هي المبادئ الرئيسية للحياة المسيحية؟
فالمبادئ المسيحية هي أن نحب الله محبة تزداد عمقاً مع الأيام ونثق به ثقة كاملة ونضع حياتنا بين يديه يوماً فيوم، وأن نتغيَّر فنصير مثله، ونُريحه ونرتاح في علاقتنا به، وأيضاً أن نقدمه للناس بقوة وأمانة … سر هذه الحقائق الخمس هو (معرفة الله).
• إسأل نفسك الآن : هل تعرفه جيداً؟ هل تفهمه وتدركه وتلمسه؟ هل تحبه لأجل شخصه وتثق فيه؟ هل ترى قلبك يتغيَّر يوماً بعد الأخر لتكون مثله؟ هل جلد وجهك يلمع أم جلد قلبك يلمع؟ هل تستطيع أن تُريحه وتستريح معه في علاقتك به أم حياتك مليئة بالأسئلة أكثر من الإجابات؟ هل تستطيع وتقدر أن تشهد عنه وتقدمه للناس؟
من أسباب أهمية معرفة الله هو أن يجد الله راحته في حياتك، ماهو مفهوم الراحة المقصود؟ وهل يجد الله راحته فيك؟
بناء على اجابتك في السؤال الاول، لماذا يجد الله راحته فيك أولماذا لا يجد؟
متى أخر مرة شاركت رسالة الانجيل وشهدت عن الله أمام الاخرين؟
لما أعرفة أعرف أحبه – أثق فيه – أتغير لصور – يرتاح الله في حياتي – أقدمه للأخرين وأشهد عنه ، أعطي نفسك درجة من 10 في كل نقطة
حدد خطوة عمليه سوف تقوم بها في أضعف درجتين خلال الأسبوع القادم