“ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ”.(مت10: 1)
– “حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ”.(مت13: 36)
لم يكن هذا اللقب (تلميذ) قاصراً فقط وقت تجسد المعلم على الأرض، بل استمر يطلق على المؤمنين حتى بعد صعود المسيح، وهذا ما نراه بوضوح في سفر أعمال الرسل:
وَفي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ … (أع6: 1)
“وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدّاً فِي أُورُشَلِيمَ وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ”.(أع6: 7)
“فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً”.(أع11: 26)
جاء المسيح لأرضنا لا ليكرز بملكوت السموات ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس فقط، بل ليؤسس مدرسة يكون هو فيها المعلم والمنهاج.
أسس المسيح هذه المدرسة لكي يغير أعماق قلوب وأفكار وأذهان البشر المؤمنين به، لكي يصنع منهم تلاميذ مشابهين لصورته.
شفى يسوع الكثيرين ورحم المقيدين وأطلق المأسورين، لكن لم يتغير كل تابعيه بنفس القدر الذي تغير به الذين صاروا تلاميذه.
السر وراء أن تعيش دعوة ومشيئة الله في حياتك هو أن تصير تلميذ في مدرسة المسيح:
“لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ”. (مت10: 24, 25)
إن العلاقة مع الله هي علاقة متعددة الأبعاد وليست مسطحة، فليست علاقتنا مع الله هي علاقة الأب بابنه فقط على الرغم من أهميتها، وليست هي علاقة الراعي بقطيعه أو السيد بعبيده.. إن العلاقة مع الله لها أبعاد وجوانب متعددة يجب أن نتعرف عليها ونفهمها حتى نستطيع أن نحيا في علاقة متكاملة مشبعة مع الله الحي.
فمثلا إذا أخذنا البعد الاول في علاقتنا مع الله الآب نجد أن لقبي وهويتي هو أنني ابناً لله
وهذا ما نراه واضحاً جلياً على صفحات الكتاب المقدس، الذي يعلن ويؤكد هذه الحقيقة كما في الآيات التالية:
– “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ” (يو1: 12)
– “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ”. (رو8: 16)
– “أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ”. (1يو3: 1)
إدراكنا لهذه الحقيقة يملأ قلوبنا بالشبع والأمان والطمأنينة، لأنه يوجد شخص مسئول عنا، وهذا الشخص هو الله نفسه الغير محدود والذي لا يعتريه تغيير ولا ظل دورانِ.
أيضا فهمنا وتلامسنا مع حقيقة بنوتنا لله تملأ قلوبنا بالإحساس بالإنتماء والهوية، فندرك من نحن في عيني الله، فتُشفى نفوسنا من كل جروح الماضي التي نعاني منها، ونبرأ من صغر النفس الذي يُدمي قلوبنا لنعيش مع الله أصحاء النفس والقلب.
أما بالنسبة للبعد الثالث في العلاقة مع الله الروح القدس فلقبنا وهويتنا هو أن نصير هيكلاً لله الروح القدس ليملائنا، ويغمرنا، ويجتاحنا، ويحل علينا، ويستخدمنا لمجد الله، وقيمة هذا اللقب أننا قد صرنا مكان حضور الله على الأرض، والأدوات التي يريد الله أن يستخدمها كي يتمم قصده ومشيئته في العالم الذي نعيش فيه.
وهذا ما نراه في الآيات التالية:
– “فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً “(2كو 6 : 16)
– “أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟” (1كور3: 16)
– “وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ”.(رو8: 11)
– “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟”(1كو6: 19)
– “اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا”.(2تي1: 14)
أما بالنسبة للبعد الثاني في علاقتنا مع الله الابن، وهو الموضوع الرئيسي هنا، فسوف نتناوله في أخر كلامنا عن الأبعاد المختلفة في علاقتنا بالله.
كان للرب يسوع عدة ألقاب رئيسية في علاقته بالإنسان، وقد وردت في الكتاب المقدس عدة مرات منها: السيد والراعي والمخلص.
أيضاً من هذه الألقاب التي اشتهر بها المسيح، لقب المعلم
وهذا ما نراه في الآيات التالية:
– “وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟” (مت19: 16)
– “وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟” (مر4: 38)
في هذه العلاقة مع الله الابن الذي هو فيها المعلم، لقبنا وهويتنا هو أننا تلاميذ، فنحن تلاميذ في مدرسة المسيح.. المدرسة التي أسسها المسيح بنفسه ليكون هو فيها المعلم الوحيد الذي له الحق في التعليم وتلمذة الآخرين ليكونوا تلاميذ تابعين للمعلم.
والتلميذ هو الشخص الذي يتبع معلماً بعينه ليسمع منه ويتعلم على يديه ويمارس ما يتعلمه.
كوننا تلاميذ في مدرسة المسيح يعني أننا نعطي الرب يسوع كل الحق والسلطان على حياتنا لكي يغيرنا ويشكل حياتنا لنصير على صورته.
“فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً”.(أع11: 26)
كوننا تلاميذ للرب يسوع يعني أن نصير فاهمين لطرق الله وعارفين مشيئته وأفكاره، فيعمل فينا الله ليحررنا من كل القيود التي تمنعنا من الانطلاق مع الله في حياة روحية ممتعة ومشبعة لنا وله.
“وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ” (يو8: 32)
“وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ”. (دا12: 3)
أيضاً، قبولنا أن نصير تلاميذ في مدرسة المسيح، يسمح لله أن يغيرنا ويشكلنا ويصيغ حياتنا لنصير مشابهين صورة الرب يسوع
“لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ”. (رو8: 29)
لا نستطيع أن نعيش حياة فعالة مع الله دون أن نحيا في هذه الأبعاد الثلاثة مع الله.
نستطيع أن نصير أبناء لله بتجديد الروح وأن نستمتع ببنويتنا لله وأن يستخدمنا الله بكل قوة بعمل الروح القدس فنصير أدوات بيد الله، لكن لا نستطيع أن نعيش حياة متزنة ثابتة قوية مؤثرة إلا إذا كنا تلاميذ للرب يسوع المسيح، فكثيرين من المؤمنين حولنا ممتلئين بالروح القدس، لكن قليلون هم تلاميذ للرب يسوع.