أولاً: مقدمة (البركة الرسولية)
«أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ.. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ اللهِ، وَشَرِكَةُ الرُّوحِ الْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (2كو 13: 11-14
في هذه الأعداد نتعرف على ما نطلق عليه الآن البركة الرسولية، والتي تتبارك بها الكنائس في كل مكان في العالم. لقد شملت هذه الكلمات البسيطة في طياتها مفهوماً كاملاً وشاملاً لما نعيشه وما نحياه مع إلهنا. في هذه الأعداد يرسم الرسول بولس مثلثاً يحاصرنا فيه بإلهنا الحي بـ «نعمة الابن ومحبة الآب وشركة الروح القدس»، ويدعونا لكي نحيا من خلال هذه البركة؛ حياة الكمال والفرح والتعزية (كما في عدد 11).
البركة الرسولية:
أ – نعمة المسيح
1- المخلِّص
2- الرب
3- المعلِّم
4- الراعي
ب- محبة الآب
ج- شركة الروح القدس
أ- نعمة المسيح
هذه هي البداية الحقيقية، فالدخول إلى حضرة الله والشركة معه يكونان من خلال هذه النعمة، وهي العطية المجانية التي وهبها لنا الرب يسوع المسيح، فالمسيح أعطانا نعمة الحياة؛ نعمة أن نصير أولاد الله، وشركاء الروح القدس. هذه الأعداد لا تتكلم عن جوهر الثالوث الآب، والابن، والروح القدس، بل تتكلم عن ترتيب الحياة المسيحية، فنحن ندخل إلى معرفة الله بنعمة يسوع المسيح فهو:
1- المخلِّص:
« َتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (مت 1: 21) فهو الذي ينقذ وينتشل. لقد جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس (أع 10: 38) فهو الذي نقلنا من مملكة إبليس إلى حضن الآب.
2- الرب:
هذه الحقيقة متلازمة مع كونه المخلّص، فحيث يملك المسيح يخلّص، وحيث لا يملك المسيح لا يخلّص. هو ملك الملوك ورب الأرباب (1تيمو 6: 15) فهو الرب الذي يخلص، والسيد الذي يقود الحياة، ويحقق مشيئته في الحياة.
3- المعلِّم:
هو المعلم الذي يعيد صياغة حياتنا لتصبح صورة منه. في (رو 8: 29) يوضح بولس الرسول قصد الآب من حياتنا، لنكون «مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» فيستطيع العالم أن يرى فينا الرب يسوع المسيح.
فالمنهاج الذي تعلمه التلاميذ والرسل خلال حياة يسوع على الأرض هو يسوع المسيح نفسه، فنحن لا نتعلم مبادئ مسيحية، بل نتعلم المسيح نفسه؛ المثال الكامل الذي نسير وراءه.
4- الراعي:
الراعي الذي يربض القطيع ويرافقه ويقوده ويعتني به «أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ» (يو 10: 11). فمن قبل دعوة المسيح ليصبح مخلصه وربه ومعلمه يصبح المسيح هو المسئول الأول عن حياته، فالمسيح دائماً يؤكد لنا هذه الحقيقة : ثقوا «أنا أرعى غنمي».
ب- محبة الآب
نعمة المسيح تأتي بنا إلي حضن الآب فيسهل علينا أن نصلي ما علمنا المسيح إياه: «أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَوَاتِ» (لو 11: 2)، فالعلاقة بيننا وبين الله أصبحت علاقة بنوة حقيقية، كما يقول الكتاب في (يو1: 12): «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ». عبارة “أعطاهم سلطاناً” تعني الحق، والسلطة، والامتياز لنكون بالحقيقة أبناء.
«مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية»(1بط 1: 3)، فنحن أولاد وورثة « ووارثون مع المسيح» (رو 8: 16، 17). جعلنا روح الحياة الذي في المسيح أبناء الله، وروح الله الساكن فينا يشهد بذلك. إنها دعوة للتمتع بمحبة الآب بكل أعماقها، والانتماء والأمان في علاقتنا به كأبناء أحباء وهذا ما يفتقده الكثير من المؤمنين.
ج- شركة الروح القدس
يؤكد بولس الرسول أن نعمة المسيح المخلّص – الرب – المعلّم – الراعي تمنحنا معية ورفقة الروح القدس The fellowship بمعنى صداقه وحضور ووجود الروح القدس في الحياة «11وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ » (رو 8: 11) فالمسيح قام بنفسه وروحه.. لم يستعن بأحد ليقوم من الأموات، فبرفقة الروح القدس، روح المسيح، لنا قوة قيامة بحسب قوة قيامة يسوع المسيح. ويضيف أن الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله (رو 8: 11) فروح الله الساكن فينا يقود حياتنا، وهذه القيادة بالروح تنبع من شركة حقيقية وحضور حقيقي للروح القدس الساكن فينا.
في (يو 16: 7) يؤكد المسيح للتلاميذ أنه خير لهم أن ينطلق صاعداً للسماء، ويأتيهم الروح القدس. ولم يستطع التلاميذ حينها أن يدركوا كيف يكون هذا أفضل لهم؟ ولكنه كان بالفعل أفضل، وهذا ما أكدته الأحداث في الأناجيل وسفر الأعمال، فحياة التلاميذ والرسل في سفر الأعمال أعظم بكثير مما كانت عليه في أيام المسيح بالجسد معهم، كما أن انتشار الكنيسة أكثر بكثير مما كانت عليه في أيام وجود المسيح بالجسد معهم، فمجموع المؤمنين حتى القيامة لا يتعدى 500 شخصاً، أما بعدها، فقد تكاثروا بالآلاف. بالتأكيد خير لنا أن يأتي الروح القدس ويسكن فينا ويعمل في حياتنا. إن عمل الروح القدس في الكنيسة على مر التاريخ عمل مذهل، ومازال حتى اليوم، وسيظل إلى مجيء المسيح.
«نعمة المسيح لا يمكن الاستغناء عنها، ومحبة الآب غنى لا يُستقصى، وشركة الروح القدس عطية لا تُقارن بأي عطية أخرى».
لذلك، دعونا في هذه الدراسة نقترب أكثر فأكثر إلى معرفة المعنى الحقيقي والعميق لشركة الروح القدس التي يدعونا الله إليها.
ملحوظة: ننصح بقراءة كتاب «ثمر الروح القدس» للدكتور القس منيس عبد النور