في الحلقتين السابقتين تناولنا الأسباب الرئيسية لضرورة وأهمية معرفة الله فوجدنا خمسة أسباب تدفعنا لمعرفة الله وهي:
1. معرفة الله تقودنا إلى المحبة الحقيقية له.
2. معرفة الله هي أساس للثقة واليقين فيه.
3. معرفة الله تجعلنا نتغير لصورته (حياة القداسة).
4. معرفة الله تجعله يجد راحته فينا.
5. معرفة الله تجعلنا نقدمه للآخرين ونشهد عنه.
في هذه الحلقة من دراستنا لموضوع شخصية الله، سوف نتناول الطرق التي يمكنني من خلالها أن أرى الله وأعرفه… فكيف يُعلن الله عن نفسه؟ وأين ؟
هناك خمس طرق أساسية يُعلن فيها الله عن نفسه من خلالها:
في الطبيعة
في الكلمة المقدسة
بالروح القدس
في الكنيسة
في أعمال العناية
” اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَماً وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. لاَ قَوْلَ وَلاَ كَلاَمَ. لاَ يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ وَإِلَى أَقْصَى الْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. ” (مز19: 1- 4).
هذا المزمور تحدَّث عن شيئين: عن مجد الله وعمل يديه.. عن شخصه وعما يصنعه، فالسموات ليست فقط تُخبر عما صنعه بل عن مجده وعن حقيقته، هذا بالرغم من أن السموات والفلك ليس لديهم القدرة على الكلام لكن قد خرج منطقهم إلى كل الأرض وإلى أقاصي المسكونة.
أيضا يتناول الرسول بولس نفس المفهوم عن معرفة الله الظاهرة في الطبيعة:
“إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ “(رو1: 19, 20)
إذ يقول أن الأمورغيرالمنظورة وهي الأمور الروحية تُرى منذ خلق العالم في الطبيعة، فالخليقة تُظهر لنا جمال الخالق وروعة الخلق.
إن نظرة واحدة للكون.. للمجرات والنجوم والكواكب وكيفية عملها ودورانها بدقة، تجعلنا نلمس وندرك أن ورائها خالق عظيم.. تأملنا في المخلوقات وتكوينها المركب الرهيب الذي لا يضاهيه أي شيئ أخر في الكون، تجعلنا نرى بكل يقين أن خلفها إله مبدع وخلاَق.
يجب أن نتعلم أن نبصر الله وجماله وجلاله في خليقته لأنها واحدة من طرق إعلان الله عن نفسه وحقيقته.
الكتاب المقدس هو حديث الله إلينا. وأهم ما فيه ليس المواعيد والوعود الإلهية وليس ماهو صواب وخطأ, بل إن أكثر أمر يريد الله أن يُعلنه لنا لندركه ونفهمه هو نفسه.
أغلب المؤمنين وقارئي الكتاب المقدس يقرأونه باحثين عن حقائق ونبوَّات ومواعيد وعهود وإرشاد، وهم في كل هذا لم يُخطئوا, ولكن الأهم مما سبق هو البحث عن إعلان الله عن نفسه الذي أعلنه بين صفحات الكتاب, وهذا ما يكلمنا به كاتب العبرانيين:
“اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ” ( عب 1: 1 ،2 )
لقد كلَّمنا الله في القديم بالأنبياء (العهد القديم), ولكنهم لم يستطيعوا أن يصفوه كما في الحقيقة. ولأننا لم نستطيع معرفته فقد أختار الله أن يُكلمنا في آخر الأيام في ابنه يسوع المسيح (العهد الجديد)، بمعنى أن المسيح هو حديث الله إلينا.. فقد كلمنا الله في المسيح،وهذا هو السبب الذي من أجله يعطي الكتاب المقدس لقب “الكلمة” للمسيح:
– ” وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً “( يو 1 : 14 ).
– “اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.”(يو1: 18).
فالمسيح لم يُخبِّر عن الخلاص مع أنه عظيم بل خبّر عن الآب وما هيته.
– الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ….لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. (2كو4: 4, 6)
لقد أعمى عدو الخير عيون الناس لئلا يروا فيعرفوا ويدركوا الله, بينما أختار الله أن يعلن نفسه بكل وضوح في الابن أي في وجه الرب يسوع المسيح, ونحن حتى الآن نطالب الله بنفس الطلبة التي طلبها فيلبس: “أرنا الآب وكفانا” ولازال المسيح يرد بنفس الرد: “من رأني فقد رأى الآب”. أروع ما في الكتاب المقدَّس أننا نرى فيه فكر الله ومشاعره وإرادته وأعماله أي شخصيته.
يقول الكثيرون: ليتنا كنا نحيا في أيام المسيح وخاصة في مدينة أورشليم وكنا رأيناه وجلسنا حوله وسمعناه، لكن الامتياز الذي نعيشه الآن هو أننا نستطيع أن نسمعه يقول نفس الكلمات مرات ومرات ويمكننا أن نتأمل ونرى ونشاهد ما صنعه المسيح من كل الأبعاد, كذلك يمكننا أن نحفظ أقواله التي قالها ونرددها, أما المعاصرين للرب يسوع فعلى الرغم من أنهم شاهدوه بالجسد، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يشاهدوا كل المواقف التي صنعها المسيح ولم يستطيعوا أن يحفظوا كل ما تكلم به.
إن كنت تريد أن ترى الله وتشاهده عن قرب لتتعرف عليه, فعليك أن ترى يسوع وتتأمل فيه وتفتح عينيك على شخصه المبارك.
في الحلقة التالية سوف نتعرف على باقي طرق معرفة الله.