– “مِنْ إِلَهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ وَمِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي يُبَارِكُكَ تَأْتِي بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ بَرَكَاتُ الثَّدْيَيْنِ وَالرَّحِمِ “(تك49: 25 )
– “لَكَ ذِرَاعُ الْقُدْرَةِ قَوِيَّةٌ يَدُكَ مُرْتَفِعَةٌ يَمِينُكَ”. (مز89: 13)
– “قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ” (أي42: 2)
نرى في الآيات السابقة أن الله هو الإله القادر على كل شيء، ولكن هل يعني هذا أن تصنع هذه القدرة ما تريد وقتما تريد وبالطريقة التي تريد؟
الإجابة على هذا السؤال هي بالنفي، ولكن هذا النفي في ظاهره يتعارض مع كل الآيات السابقة والتي تدلل على أن الله هو القادر على كل شيء، فكيف نوفق بين أن الله هو القادر على كل شيء وفي نفس الوقت أن هذه القدرة لا تصنع ما تريد في الوقت الذي تريد وبالطريقة التي تريد؟
رغم أن الله قادر على كل شيء ويستطيع أن يصنع أي شيء، لكنه اختار أن تكون قدرته خاضعة لأمرين:
هذه القدرة خاضعة لإرادة الله، وهذه الإرادة خاضعة لصفات الله وشخصيته الأدبية، فهي خاضعة لاختياراته المُحبة، والصالحة، والبارة، والمقدسة، والعادلة، والرحيمة، وللحق. وهذا يبعث في قلوبنا كل الطمأنينة والراحة من نحو قدرة الله، فقدرته ليست كل قوته الهائلة التي تصنع كل ما يستطيعه، بل هي القدرة التي تصنع ما تختاره فقط محبته وما تريده، فهو لم يخلق كل ما يستطيع أن يخلقه بل كل ما أراده فقط.
– «أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤ4: 11)
– “إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ”. (2تي: 13)
لقد تعودنا في مجتماعاتنا البشرية أن واضع القانون هو دائماً فوق القانون ليكسره وقتما يشاء، وبنفس المنطق نحن نفهم أن الله هو واضع القوانين التي تنظم الكون وبالتالي فهو يعتبر نفسه فوق هذه القوانين فيستطيع أن يكسرها وقتما يشاء!!!
ليس الأمر كذلك.. الله هو واضع هذه القوانين ولذلك فهو يحترمها ويطلب من خليقته أن تحترمها أيضاً، وهذا هو الكمال الالهي، فالله لا يريد أن يكسر القوانين التي وضعها، وهذا ليس معناه أنه ليس قادر على ذلك.
-” قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ, إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ, بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. إِرْجِعُوا ارْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟” (حز33: 11)
– “وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلاَ قُوَّةً وَاحِدَةً غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ”. (مر6: 5)
– “يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا”. (لو13: 34)
هذا المفهوم عن أن قدرة الله خاضعة لشخصه وللقوانين التي وضعها مفهوم ثوري في مجتمعنا المسيحي، فمجتمعنا المسيحي متأثر تأثراً كبيراً بالمجتمع الذي نعيش في وسطه والذي يؤمن بأن الله هو الإله القادر على كل شيء وبالتالي فكل ما يحدث هو من نتاج قدرة الله وإرادته، وخاصة إذا كانت الأحداث شريرة تضر بالخليقة مثل الحروب والزلازل والمجاعات.
ومن هنا ينشأ الصراع.. لماذا لم يمنع الله حدوث مثل هذه الأمور طالما أنه قادر على كل شيء، وهذا ما نسميه بالقدرية أو القضاء والقدر، الذي هو تشويه كامل لإرادة الله الصالحة للخليقة.
لكن الذي يخفى عن أذهان البشرهو أن الله واضع قانون حرية الإرادة وقد أعطى للإنسان الحرية الكاملة للاختيار بين الخير والشر، وبين السلام والحرب. لذلك لا يكسر الله القانون ويُعطل حرية الإرادة التي للإنسان، رغم أنه يستطيع ذلك.
وفي هذا نرى أن الله يختار أن يُحد قدرته إحتراماً لإرادة الإنسان واختياره، وهذا ما يفسر الكثير من الشرور التي حدثت والتي تحدث في العالم من حولنا.
والى اللقاء في الحلقة القادمة لندرس معاً كون الله كلي المعرفة والتي هي إحدى صفات الله الطبيعية.