تحدثنا في الحلقة السابقة عن العلاقة مع الله كابن، وذكرنا أنه محتوى هذه العلاقة الشركة والرؤية، والشركة تحتوي على محبة الآب ونعمة الابن وشركة الروح في القدس
الشركة مع الابن هي نعمة ربنا يسوع المسيح، وتوقفنا عند الفارق بين النعمة والناموس، فقلنا إن النعمة هي أن أنال فأكون فأعمل، أما الناموس هو عكس ذلك، فالناموس هو أن أعمل لكي أكون فأنال،
في هذه الحلقة نتحدث عن عهدي النعمة والناموس، تاريخياً يبدو واضحا أن الناموس (العهد القديم) جاء قبل العهد الجديد، ولكن الكتاب المقدس يفاجئنا بأن عهد النعمة (العهد الجديد) سابق عهد الناموس تاريخيا بأربعمئة وثلاثين سنة، بولس يقول ” وَإِنَّمَا أَقُولُ هذَا: إِنَّ النَّامُوسَ الَّذِي صَارَ بَعْدَ أَرْبَعِمِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، لاَ يَنْسَخُ عَهْدًا قَدْ سَبَقَ فَتَمَكَّنَ مِنَ اللهِ نَحْوَ الْمَسِيحِ حَتَّى يُبَطِّلَ الْمَوْعِدَ.” (غلاطية 3: 17و18)
إن الناموس الذي صار بعد أربعمئة وثلاثين سنة المقصود هنا العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم، إذا العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم سابق للناموس بأربعمئة وثلاثين سنة هذا العهد لا يُنسخ أي لا يَلغي عهد النعمة، لأن إبراهيم آمن فحُسب له براً، أي أن عهد النعمة قبل عهد الناموس ب 430 سنة، حينما تكلم الله مع إبراهيم وعده بأنه المسيح ابن الله آتي ليخلص العالم فآمن إبراهيم فكان هذا نعمة ولم يكن ناموس، فحينما جاء الناموس بعد عهد الله لإبراهيم لم يبطل الموعد أي العهد الذي اتخذه الله مع إبراهيم
وهنا نتساءل لماذا بعد أربعمئة وثلاثين سنة أعطى الله لموسى الناموس، على الرغم من أنه لم يلغ عهد النعمة السابق؟
يقول بولس الرسول “لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ.”(غلا4:١٠(، إذا جاء الناموس ليقنعنا ويوصلنا إلى المسيح فكان مؤدبنا للمسيح،
والسؤال هنا كيف أدبنا الناموس إلى المسيح؟ أدبنا الناموس بثلاث أشياء
أولاً: – دينونة الخطية
يشرح لنا بولس كيف كان الناموس صالحاً، ولكن العيب فينا فيقول” فَهَلْ صَارَ لِي الصَّالِحُ مَوْتًا؟ حَاشَا! بَلِ الْخَطِيَّةُ. لِكَيْ تَظْهَرَ خَطِيَّةً مُنْشِئَةً لِي بِالصَّالِحِ مَوْتًا، لِكَيْ تَصِيرَ الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا بِالْوَصِيَّةِ.”(رو١٣:٧)، فالله لم يعطنا الوصية الصالحة لتحكم علينا بالموت لكن الخطية هي من جعلت الوصية تحكم علينا بالموت، فالوصية أوضحت لنا بشاعة الخطية
ثالثاً: – العجز البشري عن عمل صالح
كان الناس يعتقدون أن الله إذا أعطاهم قوانين وقواعد، ليكونوا صالحين أنهم سيفعلون هذه الأمور، ويعتمدون على أنفسهم في أخذ حقوقهم ومناصبهم، فأعطاهم الله الناموس، وجاء الناموس بأعمال إذا فعلوها يحيوا، ولكن ظهر عجز الإنسان حينما كان غير قادر أن يفعل هذه الوصية، فالناموس أظهر عجزنا، فبالتالي نحن لا نحتاج وصية، بل نحتاج مخلص، نحن لم نحتاج إلى كتاب يرشدنا إلى فعل الخير، ولكن نحتاج إلى طبيب نحتاج إلى خلقة جديدة.
بولس يقول “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الخطية” (رو٣: ٢٠،١٩)
ثالثاً: – رمز يشير إلى مخلص
ما كان ناموس موسى إلا رمزاً مادياً يعبر عن الكينونة والحقيقة الروحية، ويوضح لنا ذلك حينما قال نيقوديموس إلى المسيح كيف يدخل الإنسان بطن أمه، ويولد ثانيه؟ فقال له المسيح أنت مُعلم إسرائيل ولم تفهم، فقال له مثال الحية “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ،”(يو١٤:٣)
حينما أخطأ الشعب ضربتهم الحيّات فصرخ الشعب بعد أن مات منهم الكثيرين، فأمر الله موسى أن يصنع حية نحاسية، ويعلقها على خشبة فالإنسان الذي تلدغه الحية، وينظر إلى الحية النحاسية يتبرأ وهذا رمز وإشارة إلى المسيح، أن من يضع خطاياه على المسيح ويؤمن به تكون له حياة أبدية وسُمّ هذه الحية يشير إلى الخطية فبدلاً من أن يموت الإنسان بالخطية، فالمسيح يشفيك إلى الأبد فإن الناموس في المشاهد العملية وضّح لنا حقيقة الفداء،
وهناك أمر آخر أوضحه لنا الناموس، وهو أن ناموس الوصاية في الفرائض كان حينما يخطئ الإنسان لا بد من أن يُسفك دم للمغفرة، وذلك يحدث بالمجيء بحمل بلا عيب، ثم يُوضع على المذبح، وتضع يدك عليه، وتعترف بخطاياك ثم يذبح ذلك الحمل نفس فكرة سُم الحية فمن أجل أن تحيا لابد أن تنتقل خطيتك لكائن فيموت هذا الكائن الذي انتقلت إليه الخطية، ولكن الحمل الذي ذبح هذا ليس بكائن مثلنا، ولم يمت بسبب الخطية، ولكن مات بسبب الذبح. ولكن هذه الصورة أوضحت لنا أنه لكي نتبرأ من الخطية، وننال الغفران، لابد من أن تؤخذ منا خطايانا وذلك كمن أخذ سماً. فذهب لأباه فغفر له أبوه فعلته هذه، ولكن هل حينئذ سيعيش هذا الابن؟ بالطبع لا، لأن بداخله سم مميت، ولكنه سوف يحيا إذا سلب وأخذ منه السم الذي بداخله.
فالغفران لا ينقذني من السم، ولكن الذي ينقذني هو أخذ السم الذي بداخلنا، الخطية سم للروح تميته، فإذا لم تنقل الخطية إلى كائن آخر وتبقى فيا سأموت، وإذا انتقلت، مني سوف أحيا
“وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!”(يو٢٩:١)، فالعهد القديم شرح لنا الفداء بصورة منظورة، فالناموس كان مؤدبنا للمسيح، وأنه بأعمال الناموس لا يتبرر الإنسان، فنحن نحتاج إلى مخلص وليس وصية.