حلقة 31 – العلاقة مع الحق .. الفرق بين المنهج ومنهاج التلمذة

حياة الخادم – حلقة 31 – العلاقة مع الحق .. الفرق بين المنهج ومنهاج التلمذة

في الحلقة السابقة، بدأنا الحديث عن البعد الثاني في حياة الخادم، وهو كونه تلميذًا، أي شخصًا يسعى للتعلم حتى يتمكن من التعليم. هذه ليست مهمة سهلة، وللأسف لا نعطيها دائمًا قيمتها الحقيقية. كثير من المؤمنين لا يدركون أهمية التلمذة، رغم أنها الركيزة الأساسية التي قامت عليها الكنيسة الأولى.
المسيح نفسه أسس خدمته على التلمذة، والكنيسة الأولى قامت بخدمتها على التلمذة أيضًا. والنتيجة كانت أن المؤمنين الأوائل لم يواجهوا فقط التحديات والاضطهادات، بل كانوا قادرين على تغيير العالم.
اليوم، لدينا عدد كبير من المؤمنين، لكن عدد التلاميذ قليل، وعدد الذين يعلّمون الآخرين أقل بكثير. الخادم الحقيقي ليس فقط ابنًا لله، بل هو أيضًا تلميذ يدرك قيمة هذه الخدمة ودورها الأساسي في بناء ملكوت الله.

التلمذة في تعليم المسيح
قال المسيح في إنجيل متى 28:20: “عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ.”
التلمذة ليست مجرد إعطاء بعض المعلومات، بل هي التزام بأن يحيا التلميذ وفقًا لما تعلمه. بدون التلمذة، تصبح الكرازة وكأنه نفخ في الهواء، لأن الأشخاص الذين لا يصبحون تلاميذ لا يستمرون في الإيمان.

التلمذة في تعليم بولس
نرى هذا المبدأ أيضًا في تعليم بولس الرسول، حيث أوصى تلميذه تيموثاوس بنفس الفكرة:
“وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ يَكُونُونَ أَكْفَاءَ أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.” (2 تيموثاوس 2:2)
ما استودعه بولس في تيموثاوس، طلب منه أن يمرره لآخرين، حتى تستمر التلمذة من جيل إلى جيل.

هناك فرق بين “المنهج” و”المنهاج”:
المنهاج هو المحتوى التعليمي، أي المواد والمحتويات التي يجب أن يتعلمها التلميذ.
المنهج هو الطريقة أو الفلسفة التي يتم من خلالها تقديم المحتوى، أي المبادئ والقيم التي تساعد الشخص على أن يصبح تلميذًا حقيقيًا.

المبادئ الأساسية للتلمذة
1- المواظبة: هي عنصر أساسي في حياة التلميذ. لا يمكن أن يكون هناك تلميذ حقيقي دون المواظبة على الحضور والتعلم. مثلما يتم فصل التلاميذ غير المنتظمين في المدارس، كذلك الحال في حياة التلميذ الروحي.
2- الانتماء: هو الشعور الداخلي بأن التلميذ جزء من الكيان الذي يتعلم فيه. هذا الشعور بالولاء والانتماء يُبنى من خلال المواظبة، مما يعزز التزام التلميذ تجاه هذا الجسد.
3- الانضباط: بولس الرسول شدد على أهمية الانضباط قائلاً: “وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ” (1 كورنثوس 9: 25)، المواظبة والانتماء يقودان إلى الانضباط، التلميذ المنضبط يعيش حياة متسقة ومنظمة في كل جوانبها.
4- الوداعة: الوداعة هي المرحلة التي تلي الانضباط. قال المسيح: “اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ” (متى 11: 29-30). التلميذ الوديع هو شخص مرن، قابل للتشكيل، ولديه الرغبة الحقيقية في التعلم.
5- الخضوع: هو علامة التواضع. من لا يخضع يظهر كبرياءه. الله يدعونا للخضوع بعضنا لبعض ولترتيب الله في حياتنا. الخضوع يساعد التلميذ على كسر الكبرياء واكتساب التواضع الذي يجعله مهيأً لحمل نير المسيح.
خاتمة
لكي يكون الخادم ناجحًا، يجب أن يسأل نفسه: هل أنا تلميذ حقيقي؟ التلمذة ليست خيارًا، بل ضرورة لبناء ملكوت الله، وهي تعتمد على المواظبة، الانتماء، الانضباط، الوداعة، والخضوع. إذا اجتمعت هذه المبادئ الخمسة في حياة الخادم، يصبح تلميذًا حقيقيًا قادرًا على تلمذة الآخرين وبناء جيل جديد من المؤمنين والتلاميذ.
صناعة التلاميذ ليست اختيارًا، بل تكليف إلهي.