تحدثنا في الحلقات السابقة عن الشركة مع الاب ومع الابن ومع الروح القدس كما تحدثنا سابقاً عن كيف نعيش صوره الله الصحيحة وفي هذه الحلقات سنتحدث عن الرؤية، فهناك مفاهيم كثيرة ومتاهات واعماق سوف نغوص فيها، فيجب أن نفهم المقدمة جيداً لأنها ستساعدنا في فهم الرؤية
المقدمة
الرؤية هي البوصلة: الرؤية هي البوصلة التي تحدد المسار والمسيرة كالقبطان الذي يسير حسب اتجاهات البوصلة
“بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ.” (أم 29: 18)
الرؤية تصنعنا ولا نصنعها: الرؤية هي التي تصنعنا وليس نحن من نصنعها، وهذا عكس تصورات البشر فحينما يكون لدينا رؤية واضحة نعيش من أجلها تشكل من حياتنا مثل علاقتنا بالله تشكل حياتنا وعلاقتنا مع الأبن تشكل حياتنا وهكذا علاقتنا مع الرؤية تشكل حياتنا، في الشركات نحن من نضع الرؤية ونصنعها، ولكن في العالم الروحي الرؤية هي التي تصنعنا
نستقبلها وتعيش في داخلنا (الحَبَلُ بها إلى أن تولد)
نستقبل الرؤية كما نستقبل نعمة الآب ومحبة الابن ونستقبل الامتلاء بالروح القدس، الرؤية شيء نستقبله من الله إعلان الله لنا نستقبله
«عَلَى مَرْصَدِي أَقِفُ وَعَلَى الْحِصْنِ أَنْتَصِبُ، وَأُرَاقِبُ لأَرَى مَاذَا يَقُولُ لِي، وَمَاذَا أُجِيبُ عَنْ شَكْوَايَ.» (حب 2: 1).
فالرؤية نستقبلها ثم تعيش في داخلنا ونحملها في أحشائنا فبذلك هي تشكلنا الى أن نولدها، فلنلقي الضوء على الرؤية من خلال الكتاب المقدس
“بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ، أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ.” (أم ١٨:٢٩)
“فَأَجَابَنِي الرَّبُّ وَقَالَ: «اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا عَلَى الأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا،” (حبقوق٢:٢)
قال حبقوق على مرصادي أقف على حصني انتصب فأجابه الرب وقال أكتب الرؤية التي رايتها وانقشها على الألواح فيقرأها الناس فتركض، فالرؤية تقودك وتقود الشعب الذي معك،
“وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى.” (يوئيل٢٨:٢)
“فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ.” (أش١:٦)،
هذا الشاهد يوضح لنا أن الرؤية صَنعت الانسان واستقبلها وحملها
أشهر مثال على ذلك هو موسى “وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟» فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!» فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الله. فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ. فَقَالَ مُوسَى للهِ: «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟ فَقَالَ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى هذَا الْجَبَلِ». (خر٣: ١-١٢)
ساق موسى الغنم وأخذها بعيداً إلى وراء البرية وجاء الى جبل الله حوريب، وصل الى جبل الله الذي سمي بعد ذلك حوريب لأن الله تراءى عليه فلم يكن اسمه كذلك في وقتها، ودار بينه وبين الله هذا الحوار الطويل الذي غير مجرى التاريخ وصنع من هذا الرجل نبي العهد القديم
هذه القصة بها محتويات كثيره تشرح لنا المقصود بالرؤية والفرق بينها وبين الدعوة، فقصة لقاء موسى مع الله في العليقة على جبل حوريب هي أكثر المشاهد التي تنطبق عليها مواصفات الرؤية
جميعنا نعرف قصه موسى وأنه في وقت ولادته كان فرعون يقتل الأطفال، ولكن أهل موسى حافظوا عليه ثم بعد ثلاثة أشهر وضعوه في السَبَت وأجروه في النهر وظلت أخته وراءه إلى أين يسير السَبَت به ثم بعد ذلك رأته ابنة فرعون فأخذته فذهبت لها أخته فسألتها هل تحتاج مرضعة له فقالت لها: نعم أريد مرضعة فذهبت وأتت بأمه إليها لكي ترضعه وبالفعل أرضعته ليكون ابن ابنة فرعون وليس ابنها وكبر موسى وتعلم بكل حكمة المصريين، ولكنه كان يدرك جيداً أصله أنه عبراني من بني إسرائيل
وبعد ذلك شعر بأنه يريد أن يفعل شيء من أجل أهله العبرانيين فقابل شخص مصري يظلم شخص عبراني فقتل المصري، ثم لقى شخصين عبرانيين يضرب كل منهما الاخر فذهب ليصلح بينهما فقال له مالك أنت ومن أقامك علينا قاضياً أم تريد أن تقتل شخص أخر كما قتلت المصري ففهم موسى أن خبر قتله المصري قد كشف للناس فهرب من وجه فرعون 40 سنه وكان وقتها يبلغ من العمر 40 عاماً فهرب إلى برية سيناء وهناك تقابل مع يثرون وتزوج ابنته
ثم بعد ذلك جاءت قصة أن الله تراءى له في العليقة المتقدة بنار ولا تحترق فذهب موسى ناحيتها فكلمه الله
فهذه القصة تُظْهِر لنا الملامح الرئيسية لما نسميه رؤية استقبلها شخص وصنعته وعاش بها
واستخدم الله ذلك الشخص بشكل هائل في تغيير التاريخ، فنرى أن الجزء الأول من هذه القصة أن موسى بَعُدَ بالغنم بعيد إلى وراء الجبل كأنه يبحث ويسأل أين الله الذي وعدنا وأسئلة كثيره تدور في ذهنه وذهب الى الجبل ثم بعد ذلك كاّن الله يمتحنه إذ كان فعلا مُهتم ويبحث أم لا، فظهر الله في هذه الصورة في العليقة التي تتوقد بالنار ولا تحترق، فمالَ موسى لينظر فقال له الله أن يخلع نعليه لأنه بأرض مقدسة فلما سمع موسى ذلك خاف فغطى وجهه لأنهم كانوا يعتقدون أن الذي يرى الله يموت فتكلم الله،
فالجزء الأول من القصة يوضح لنا أن الله حينما يشعر أننا نريد ونبحث ونريد أن نستقبل حينئذ يُعلن الله لنا ما يريد فقال الله له ثلاثة أشياء
أولاً: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق أنا إله آبائك
ثانياً: رأيت مذلة شعبي في مصر وسمعت صراخهم
ثالثاً: نزلت لأنقذهم
الله يٌعلن أولاً شخصه لموسى «أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ». ثم بعد ذلك يُعلن ما في قلبه وبما يشعر “إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ” فجعله يرى ويسمع الذي يراه هو ويسمعه هو فأخذ موسى ووضعه مكانه فيرى الشعب من المنظار الإلهي ويخبره بأنه سينقذهم فَنَزَلْتُ لِأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَناً وَعَسَلاً إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ ويعطيهم الأراضي المذكورة ويحدد جغرافياً مكان الارض التي سيعطيهم إياها،
إشعياء حدث معه نفس القصة رأى الرب في البداية وعلم من هو فجاء الملاك وأخذ جمره من على المذبح ومس بها شفتيه ثم تكلم الله معه
فالبداية الحقيقية لما نسميه رؤية هي رؤية الرب نفسه إله التاريخ إله اسحاق ويعقوب وإله آبائك
أي نرى الله لكي أصدق ما يطلبه مني لأنه هو الذي قال. لذلك يبدأ الله بإعلان نفسه وذاته ولذلك نتكلم عن الشركة أولاً وخويتنا كأبناء،
شركتنا مع الآب والابن والروح القدس هي التي تساعدنا أن نستقبل إعلان الله عن نفسه لنا فهو الإله القادر على كل شيء إله التاريخ إله المواعيد إله الأمانة، فيصف الله لموسى ما هو فاعله فالله يشاركه عن نفسه
مرات كثيرة نريد أن نعرف ما ينوي الله أن يفعله دون أن مهتم أن يُعلن لنا عمن هو فلنصدق ما يفعله فالله
الله يكلم موسى لأنه عنده دعوه على حياة موسى ودور موسى هو أن يذهب إلى فرعون ويقول له اخرج شعبي فموسى يقدر على الكلام، ولكن الله هو الذي سيخرج الشعب فلكل شخص منا دور نقدر أن نفعله ولكن لكي نفعله نحتاج إلى معونة إلهية رهيبة فهذه القصة توضح لنا الفرق الهائل بين ما نسميه رؤية وبين دوري وبين الدعوة
لذلك أول شيء قاله موسى من أنا لكي تستخدمني وأكون شريك معك، فالإجابة بسيطة وهي أن الله معك، فدورنا غير دور الله فكل ما نفعله نشارك الله فيما يفعله
تعريف الدعوة
هي دعوة الله لي للقيام بمأمورية محددة لها زمان ومكان وتتغير الدعوة من موسم الى موسم في حياة الخادم تعريف الرؤية
هي إعلان الله لنا عن شخصه وقلبه ومشيئته يقول لنا ماذا هو فاعل.
الله يدعوني للقيام بدور محدد له زمان وله مكان وغالباً هذه المهمة المعطاة لنا تتغير من موسم الى موسم ففي المرحلة الأولى لموسى كان الدور الاول مرتبط بإخراج الشعب وعندما خرج الشعب تغير دوره وطلع على الجبل وأتى بالشريعة والخريطة وبناء الخيمة فدوره تغير تماما من قائد روحي يقود الشعب بآيات وعجائب للخروج الى دور رعوي يُعلم الشعب كلمه الله
فالرؤية واحده، ولكن الدعوة تتغير، سنتوقف في هذه الحلقة إلى هنا ونستكمل في الحلقة القادمة.