تكلمنا سابقاً عن نعمة الابن، ومحبة الآب، والبنوة والأبوة، وقيمتها في بناء حياة الخادم، وسوف نستكمل في هذه الحلقة الحديث عن شركة الروح القدس وهو الانقياد بالروح أو سماع صوت الله فنحن نسمع لننقاد لنعيش ونفعل إرادة الله، وتوقفنا في الحلقة السابقة عند طرق سماع صوت الله، ففي هذه الحلقة سنتكلم عن كيفية سماع صوت الله
• شروط سماع صوت الله
1- الرغبة الصادقة في الاستماع (الإنصات)
” فَجَاءَ الرَّبُّ وَوَقَفَ وَدَعَا كَالْمَرَّاتِ الأُوَلِ: «صَمُوئِيلُ، صَمُوئِيلُ». فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ».” (١صم١٠:٣)
هذه المرة سمع صموئيل صوت الله لأنه قال له تكلم لأن عبدك سامع، فالله يتكلم حينما نُصغي إليه ونستمع إليه، كثيراً ما نسأل الله في أمور ثم نذهب وننصرف ولم ننتظر لنسمع ولم ننصت إليه
“مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.” (متى١٥:١١)
أناس كثيرون عندهم أذنان لكن لا يسمعون بها، الروح يتكلم ونحن لا نسمع فلا بد أن يكون لدينا رغبة في الاستماع والإنصات والانتظار أمام الله لكي يتكلم الله إلينا.
2- الاستعداد الطاعة
الاستماع ليس فقط لمعرفة الحقيقة، ولكن للطاعة نستمع لنفعل ما يقوله الله لنا،
لننظر ما قالته العذراء القديسة مريم عندما قال لها الملاك ستحبلين وتلدين ابنًا وأنتِ عذراء “فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.” (لو٣٨:١)،
كان عندها استعداد تام للطاعة ولم تفكر في رَجلها ولا المجتمع، بل قالت أنا أمة الرب يفعل بي ما يشاء،
عكس ما قاله يونان “وَصَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ قَائِلًا: «قُمِ اذْهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي». فَقَامَ يُونَانُ لِيَهْرُبَ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، فَنَزَلَ إِلَى يَافَا وَوَجَدَ سَفِينَةً ذَاهِبَةً إِلَى تَرْشِيشَ، فَدَفَعَ أُجْرَتَهَا وَنَزَلَ فِيهَا، لِيَذْهَبَ مَعَهُمْ إِلَى تَرْشِيشَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ.” (يونان ١: ١-٣)،
يكلف الله يونان بالذهاب إلى نينوى فكان عندما يقول الله على طريق كان يونان يسير عكسه، كثيرا من المرات يكلمنا الله ولا نسمع له فيسكت عن الكلام
3- تحييد رغباتي (صوتي أنا)
لكي نميز أن هذا هو صوت الله، لابد أن نعرف أن هناك أصوات أخرى تتكلم بداخلنا خصوصاً إذا كان الله يكلمني عن طريق حلم أو بصوت داخلي، فمن الممكن أن يكون حلم شخصي وليس إلهي
بداخلنا أصوات كثيرة، صوت الروح القدس، صوتي أنا، صوت إبليس والعالم، فلا بد أن نُحيد الأصوات الأخرى التي بداخلنا لكي نستقبل الصوت الإلهي فقط ولكيلا يحدث تداخل بين الأصوات،
أكثر صوت يغطي على صوت الله هو أصوتنا، وكثيرا من المرات نسمع أصواتنا ونظن أن الله هو الذي يخاطبنا ويتكلم إلينا، فعندما نموت عن رغباتنا وشهواتنا وأهوائنا نسمع صوت الله، لتكن إرادة الله وليست إرادتنا، لأن إرادة الله صالحة ومرضية وكاملة عكس إرادتنا التي لا تجلب لنا الخير، فنحن نثق بأن ما يرضي الله هو أفضل الخير لنا وللآخرين.
الصوت الإلهي منخفض وخفيف وأصواتنا نحن عالية فتجعلنا لا نسمع صوت الله إلا إذا انخفضت أصواتنا، حنانيا عندما ظهر له الله في رؤية وقال له اذهب إلى شاول تعجب حنانيا من ذلك لأن شاول يريد أن يقبض عليهم، فتناقش حنانيا مع الله، فأجابه الله على سؤاله وقال له بأنه إناء مختار، فالله يعطينا إجابة على جميع تساؤلاتنا في النقاش معه
“وَكَانَ فِي دِمَشْقَ تِلْمِيذٌ اسْمُهُ حَنَانِيَّا، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ فِي رُؤْيَا: «يَا حَنَانِيَّا!» فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا رَبُّ». فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلًا طرسوسي اسْمُهُ شَاوُلُ. لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي، وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلًا اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلًا وَوَاضِعًا يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ». فَأَجَابَ حَنَانِيَّا: «يَا رَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هذَا الرَّجُلِ، كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَههُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ». فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». (أع ٩: ١٠-١٦)
فحينما نناقش الله يتجاوب معنا ويحدث تحييد لأفكارنا وتحييد وجهة نظرنا وتحييد تحللنا واستحسنا الشخصي للأمور، فلو لم نفعل ذلك سيكون من الصعب سماع صوت الله لأن وجهة نظرنا يتغلب على وجهة النظر الإلهية.
4- تحييد صوت العدو وصوت العالم من حولي
من ضمن الأصوات التي تؤثر علينا هو صوت العدو والعالم من حولنا، فصوت العدو وصوت العالم مرتبطين ببعض كما درسنا سابقاً في دراسة الحرب الروحية في مدرسة المسيح أن العالم وُضِعَ في الشرير وإبليس يستخدم نظام العالم لعرض شروره، فلذلك صوت العدو وصوت العالم قريبين جدا من بعضهما وهما يزاحمان الصوت الإلهي،
في العهد القديم نصطدم عندما نرى نبوات من أرواح شريرة على لسان أنبياء نبوات كاذبة، فإبليس يتكلم ويوسوس في أذهاننا ويتكلم على لسان أُناس بعضهم يدعون أنبياء، فإبليس شخصية حقيقية يتكلم بداخلنا وخارجنا من خلال المجتمع ومن خلال أنبياء كاذبة، فلا بد أن أُصمِت وأُسكِت هذا الصوت لكي يبقى الصوت الإلهي وحده هو الذي يكلمني، وأُحِيد صوتي وصوت إبليس وانتهره واقول له لا أريد سماعك ولا سماع هذا العالم لأني لست من هذا العالم فنحن لم نأت لنفعل ما يريده العالم،
المسيح كان أعظم مثال في هذا كم من مره يريد الناس أن يتوجوه ويجعلونه مَلِكًا لكن لم تكن هذه إرادة الله فهو لم يأت ليكون ملكٍا، بل مُخلصٍاً، هناك أصوات من حولنا جميلة ومقنعة لكنها ليست إرادة الله.