توقفنا الحلقة السابقة ونحن نتحدث عن محبة الآب، فالله أب يبحث عن أبناء ولا يبحث عن عبيد، وبالرغم من هذا مازال عندنا نوع من عدم الإدراك وكأننا لا نصدق أننا أبناء الله،
لكن هذه هي الحقيقة أننا بالإيمان بالمسيح صرنا أبناء الله وهذه الأبوة ارتبطت بالحب غير المشروط، فهو يتحمل مسؤوليتي ويرعاني بالإضافة إلى أنه يقوم بالتربية (التأديب) ليستردني للصورة الأصلية التي خُلقت عليها
إذن ما أهمية موضوع أبوة الله ولماذا ندرسه في حياة الخادم؟
فنحن مدعوين أن نصير أبناء قبل أن نصير خدام وإذا لم نستمتع بعلاقتنا مع الله كأبناء لم نستطيع أن نصير أباء للذين نخدمهم
محبة الله تتكون من جزءين أولاً المحبة، فالمحبة تعطينا الشبع وثانياً الابوة، فالأبوة تعطينا الهوية
فالاحتياج الأساسي للإنسان هو الحب، فوقود النفس البشرية هو الحب، نحن خلقنا لنُحَب ونُحِب لذلك الصفة الأساسية لله هي المحبة، فالقانون الأخلاقي الذي وضعه لله ليحكم علاقتنا به هو الحب وهذا ما درسناه بالتفصيل في صفة المحبة في دراسة شخصية الله، إذا كنت ترغب عزيزي القارئ في دراسة موضوع محبة الله يمكن الدخول على الرابط التالي https://shorturl.at/I89TR
“لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ.”(مز٣:٦٣)
الرحمة هنا تعني الحب فحب الله أفضل من الحياة بأكملها، لأن بدون الحب فالحياة جوع وعطش، كما قال يسوع للمرأة السامرية أن من يشرب من هذا الماء يعطش، والذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش أبدً، المقصود بالماء الذي يعطيه يسوع هو الحب، الحب يُعطي شبع، فحينما أشبع لا أتوسل الحب من الناس.
في الدراسة التي قدمناها في مدرسة المسيح عن العلاقة الزوجية، قلنا إن أول شيء في العلاقة الزوجية تُخِيب ظن المتزوجين هي أنهما اعتقدا حينما يتزوجان سيشعران بالشبع فيتزوج الرجل بالمرأة التي يحبها من أجل أن تشبعه بالحب، والمرأة تتزوج الرجل الذي تحبه من أجل أن يشبعها بالحب، فكلاهما يريد أن يأخذ من الآخر حباً، وهو لا يملك هذا الحب، فبالتالي يخيب ظن كلا منهما، خلافاً من يقبل على الزواج وهو ممتلئ بمحبة الآب فيعطي للطرف الآخر من هذا الحب، فمحبة الله تعطي ارتواء فهي تروينا، وقد تدرسنا هذا الموضوع بالتفصيل في التوقعات الخاطئة للزواج في دراسة العلاقات الزوجية يمكنك مشاهدة الحلقة على الرابط التالي https://shorturl.at/YvRlY
الأبوة تعطينا الهوية وتجعلنا ندرك من نحن، فيسيولوجيا يكون الجنين ذكرا أو أنثى عن طريق الحيوانات المنوية الآتية من الرجل، وليست المرأة، فالأب هو من يحدد نوع ابنه، ذكراً كان أم أنثى.
فأبوة الله هي التي تشعرني من أنا، الأبوة تعطيني هويتي، فأنا ابن الله وهذا هو أبي
“أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَقٌ، لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ.”(يو١٤:٨)
لكننا نعرف من نحن، لأننا نعلم من أين أتينا، وإلى أين نذهب، فعندما يتبنى أحد الآباء طفلاً، يظل هذا الطفل يبحث عن أبوه الأصلي من أجل الهوية، يريد أن يعرف من أين جاء بالرغم من أنه يعيش مع أسرة تعتني به وتهتم به، ولكن هذه غريزة في الإنسان.
البحث عن الهوية هي أيضا أكثر الأشياء المفقودة في العالم، فمعظم البشر لا يعرفون من هم ومن أين أتوا، فمحبة الآب تعرفني من أنا بالإضافة إلى أنها تشعرني بدفء الأمان، والهوية تعطي إحساس بالأمان،
يقول يوحنا “لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي الْمَحَبَّةِ.”(١يو١٨:٤)
الإحساس بالأمان ينبع من الحب الحقيقي ليس بالعضلات ولا بالمال، فهناك من يمتلكون أموال طائلة وأملاك كثيرة، ولكن لا يشعرون بالأمان الذي يرتبط بالحب والهوية. فمن أكثر الأشياء التي تفسد الخدمة هي عدم الشعور بالأمان.
المحبة والأبوة والأمان تشعرنا بالقيمة، أكبر معاناة نفسية عند البشر بعد الخوف هي صغر النفس والإحساس بالدونية، وهذا إحساس صعب للغاية لذلك يحاول بعض الناس أن يعوضوا هذا الإحساس بالنجاح أو بالمظهر أو بالمال، ويجعلون أنفسهم في منافسة مع الغير بحثاً عن هذه القيمة.
الأمراض التي نعاني منها في علاقتنا مع بعضنا البعض، نابعة من غياب أبوة الله، وأننا أبناء وإخوة مع بعضا البعض، فنتيجة المحبة والأبوة والأمان والقيمة يكون لدي القدرة على الحب، وأن أكون أبن للآخرين.
بنوتنا نحن لله ينبغي أن تظهر صورة أبوة الله، لا يمكن أن نكون آباء لأولادنا إن لم نصير أولا أبناء لله.
“لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ.”(١كو١٥:٤)
هناك مرشدون كثيرين لكن الآباء قليلون هو نتيجة لذلك أن الأسرة غير متكاتفة، ولا الكنيسة عائلة، فبكل أسف هناك كثير من الخدام ليسوا آباء. فكثيراً منا اكتفى بعلاقته بالمسيح المخلص، وحتى في هذه العلاقة لم يعش في غنى النعمة، وهذه النعمة لم تأخذه إلى محبة الآب.