«يَا ابْنِي اذْهَبِ الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي» (مت21: 28)
«ارْجِعْ إِلَى بَيْتِكَ وَحَدِّثْ بِكَمْ صَنَعَ اللهُ بِكَ». فَمَضَى وَهُوَ يُنَادِي فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا بِكَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ» (لو8: 39)
«فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ» (لو10: 2)
وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضاً وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعاً أَنْ يَأْتِيَ. (لو10: 1)
ما هي الشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يرسله الرب إلى حقله
ماذا علمهم يسوع بحياته وكلماته حتي يصبحون رسل المسيح إلى العالم الضائع؟ وماهي الملامح التي رسمها السيد ليكونوا نافعين للخدمة؟
نسمع هنا بوضوح أن الرب يرسلنا إلى الحقول المبيضة للحصاد لكن:
الدافع الحقيقي للخدمة هو الحب
فالوصية الأولى والعظمى والثانية التي هي مثلها هي:
«تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ». (مت22: 37- 39)
ونفس الوصية عن الخدمة، ففي لقاء المسيح بعد القيامة مع سمعان بطرس، قال له:
«يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ﭐرْعَ خِرَافِي».
قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي؟»
قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ﭐرْعَ غَنَمِي».
قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا أَتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ».
قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ﭐرْعَ غَنَمِي (يو21: 15- 17)
فالخدمة والمناداة بالإنجيل والبحث عن الضالين دافعه الوحيد هو الحب لله: «إن كنت تُحبني حقاً افعل هذا من أجلي فهم أغلى ما عندي”
وكذلك هو الحب للآخرين لأنك إن كنت تحبهم حقاً فستسعى لتستردهم من الهلاك إلى الحياة. الخدمة ليست واجب نؤديه لإرضاء الله بل هي عمل المحبة.
الفرق بين عقلية الأجير وعقلية الابن
«يَا ابْنِي اذْهَبِ الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي» (مت21: 28)
الخدمة هي نداء للأبناء وليس للعبيد
ولقد شرح المسيح هذا بوضوح في إنجيل يوحنا:
«وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ وَلَيْسَ رَاعِياً الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَﭐلأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ» (يو10: 12)
الخادم المأجور الذي يتقاضى أجره عن عمله الذي الخدمة بالنسبة له وظيفة وعمل، لن يستطيع أن يُضحي بحياته من أجل الخرافز
الأجير هو الذي يعمل عند صاحب الحقل أو صاحب القطيع، أما الابن فليس أجير بل هو مالك وشريك له نفس قلب الراعي الصالح الذي يضع نفسه عن الخراف.
الابن لا يعمل عند صاحب الحقل لكنه يعمل مع والده وهذا ما يقوله بولس الرسول:
«فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ بِنَاءُ اللهِ» (1كو3: 9)
والفرق هنا عظيم أني أقوم بعمل من أجله بقدراتي وامكانياتي أو أن أقوم بالخدمة والعمل معه بقدراته وامكانياته، أي أني لا أخدم الله لكن أخدم مع الله بروحه.. بقوته.. بحكمته.
أيضاً في (1بط 4: 11) «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ»
المرسل خادم
دافعه هو الحب وموقفه هو ابن لكن أداؤه كخادم
قد يبدو هذا لأول وهلة متناقض مع المبدأ الثاني أنه ابن وليس أجير أو عبد، لكننا رأينا هذا بوضوح في المسيح نفسه الابن الوحيد الأزلي الأبدي المحبوب من الآب والذي أحبنا إلى المنتهى:
«كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مت20: 28)
«فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً» (مت20: 26، 27)
فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ (يو13: 14)
أيضاً، تعلم الرسول بولس هذه الحقيقة من السيد، فكتب يقول في الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس: «فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلَكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كو4: 5)
«وَأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ كُنْتُ كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ أُحَبُّ أَقَلَّ! فَلْيَكُنْ» (2كو12: 15، 16)
فنحن مرسلين من المعلم لنخدم الناس لا لنسود عليهم، بل لننفق ونُنفق من أجلهم كما فعل هو تاركاً لنا مثالاً لكي نتبع إثر خطواته.
هو الرسالة المقرؤة والمنظورة
وهذا ما عاشه السيد نفسه، فحياته كانت رسالة وليست مجرد كلمات وتعاليم
«الْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ» (أع1:1)
يفعله أولاً أي يجسده لكي يراه الناظر ثم يعلمه للآخريين، فالإنجيل ليس مجرد كلمات لكنه هو الحياة.
يكتب بولس الى أهل كورنثوس:
«أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ» (2كو3: 2، 3)
فرسالة الإنجيل ليست كلمات على ورق، لكنها بشر يعيشون في العالم وهذا ما كُتب عن الكنيسة الأولى:
«مُسَبِّحِينَ اللهَ وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ» (أع2: 47).