1 من 2

العلاقات الزوجية – حلقة 14 – التوافق والإنسجام – محاولة تغيير نفسي للإنسجام معه

العلاقات الزوجية – حلقة 14 – التوافق والإنسجام – محاولة تغيير نفسي للإنسجام معه

 محاولة تغيير نفسي حتى أنسجم مع الآخر.
يعتبر هذا الأمر خطوة للعمق عن سابقتها والتي هي  قبول الآخر غير المشروط، وتشير هذه الخطوة إلى حب أكثر وأعمق للطرف الآخر في العلاقة الزوجية. ويتم هذا بثلاث طرق وهم كالتالي:
إكتشاف العيوب المكتسبة
درسنا سابقاً – في موضوع شفاء النفس وأيضاً موضوع أختيار شريك الحياة في مدرسة المسيح- أن صفات الشخصية عبارة عن نوعين، الأولى هي الصفات الموروثة والتي يولد بها الإنسان وهي موجود في حمضه النووي DNA، هذه الصفات هي صفات حسنة وجيدة لأنها خليقة الله ولا تتغير بل الله يُساعدنا أن نكتشفها لنستخدمها، والثانية هي الصفات المكتسبة والتي يكتسبها أثناء رحلة الحياة وهي مرتبطة بظروف النشأة والأسرة والقيم والعلاقات داخل الأسرة، هذه الصفات قد تكون صفات جيدة أو قد تكون صفات معيبة –عيوب- قد علقت به حتى دون أن يدري شيئاً عنها.
في طريق علاقتنا بالله ونمونا الروحي والنفسي معه، يساعدنا الله بالنظر إلى مرأته النقية، ويستخدم الآخريين ومنهم شريك الحياة الذي قد يلعب دوراً كبيراً في هذا، لنكتشف هذه الصفات المعيبة المكتسبة، وبقوته ونعمته نتغير لنتخلص منها، مهما كانت هذه الصفات، فالله قادر على أن يُنقذنا ويخلصنا من تسلطها وسطوتها علينا.

إكتشاف نقاط الإختلاف في الشخصية
هناك فرق شاسع بين عيوب الشخصية وبين الإختلافات في الشخصية، الأولى ناجمة عن الجروح النفسية التي أصابتنا في مشوار نمونا النفسي من ميلادنا مروراً بتعليمنا، إلى يومنا هذا…والثانية هي الناجمة عن اختلاف السمات والصفات الشخصية للفرد  عن شريك حياته، الاختلافات في الصفات الشخصية ليست بها عيوب بل هي الصفات التي خلقنا الله بها، وهذا ما قد ذكرناه في الصفحات السابقة عن فهم الآخر، وضرورة فهم أختلافات الشخصية[1]. هذه الإختلافات لابد من التعامل معها، حتى يتحقق الإنسجام والتوافق بين الزوجين. ولتوضيح هذه النقطة سوف نأخذ مثالاً شائعاً في بيوتنا وحياتنا.
مثال: الغضب
هناك فرق شاسع بين الغضب والعصبية، فالعصبية هي صفة وراثية موجودة على حمضنا النووي DNA، أي الجينات. أما الغضب فهو العصبية الغير مسيطر عليها، والتي تُنتج أخطاء وتعديات على الغير أو على الأشياء، وهذا هو العيب المكتسب الذي يُدمر الكثير من العلاقات في حياتنا، وهذا يماثل قولنا أن الجنس هو غريزة طبيعية خلقها الله في الإنسان وهو مقدس، بينما إذا أقترنت الشهوة بالجنس وُلدت الخطية، أما أقتران الجنس بالحب في العلاقة الزوجية فهو يولد علاقة الحب الحميمة، إذن فالجنس ليس هو الشهوة.

وهذا مايوضحه لنا الكتاب المقدس عندما يُكلمنا على الغضب “لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ،” (يعقوب1: 19)، فإذا كانت صفة من صفاتي الشخصية هي العصبية، إذن يجب الإحتراز من الغضب، والعمل على كبح جماحه، فهو نتيجة الافراط في العصبية بطريقة غير محكومة. فيكون أقصى ما يمكن أن أسمح به لنفسي هو الغضب، مع حفظ نفسي من الخطأ عندما أغضب.

كما رأينا في المثال السابق، هناك أمران يجب أن ننتعامل معهما بكل جدية وحسم، وهما العصبية والغضب، الأولى صفة من صفات الشخصية يجب العمل عليها لكي أهذبها فأستطيع أن أتوافق وأنسجم مع شريك حياتي ولاسيما إن كان هو أيضاً يتسم بنفس هذه الصفة وهي هنا العصبية، وأيضاً أن أكون منتبهاً لكي لا تتحول هذه العصبية إلى غضب يدمر الآخر ويحطمني فتصير عيباً من عيوب شخصيتي، والثانية وهي الغضب، وهي عيب من عيوب الشخصية وكما شرحنا في النقطة الأولى أ. إكتشاف العيوب المكتسبة، علينا إكتشافها والعمل عليها لكي نتغير فيها، أما الآن فدعونا نتقدم خطوة أخرى لنشرح كيف يمكننا أن نعالج الغضب، ونروض العصبية.

إن الدواء المناسب والأكيد للغضب هو التعفف،وهو واحدة من ثمار الروح القدس، وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ  وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ.(غلاطية5: 22، 23)، والتعفف هو ضبط النفس والعواطف تحت سلطان العقل الذي يحكمه الروح القدس. ويتكلم الكتاب كثيراً عن هذا العلاج، ولاسيما في سفر الأمثال: “مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً” (أمثال 16: 32). فالله يدعونا إلى أن ننهل منه كل نعمة بفيض وملئ الروح القدس لكي نستطيع أن نضبط عواطفنا ومشاعرنا الغاضبة.

وكما ذكرنا في موضوع اختيار شريك الحياة –مدرسة المسيح- تحت عنوان النضوج النفسي للشخصية وعلامته في حياتنا، وضرورة وصولنا إليه قبل إختيار شريك الحياة، حتى نستطيع أن نتعامل مع شريك حياتنا بطريقة صحيحة، لقد رأينا أننا إذا لم نتعلم في شبابنا وقبل أختيارنا لشريك حياتنا ضبط أنفسنا وعلاقاتنا العاطفية، فسوف نجني ثمار عدم نضوجنا آجلاً أو عاجلاً، لنصل إلى طريق مسدود، وتكون نتيجته سيئة للغاية.

ضبط النفس (التعفف) يساعدنا على اختيار شريك الحياة، وكذلك في العلاقة الزوجية التي هي محور حديثنا وأيضاً في علاقتنا بأولادنا في خلال مشوار التربية، الذي كثيراً ما ينجم عنه تداعيات ونتائج سلبية من خلافات ومشاجرات بين الأولاد ووالديهم، وهذا بالطبع يُفسد شخصية ونفسية أطفالنا، فنحن لن نستطيع أن نُربي أولادنا بدون أن نتعلم ضبط نفوسنا ومشاعرنا.

في علاقتنا الزوجية نحتاج إلى ضبط أنفسنا، فلا نجري وراء مشاعر عاطفية ثائرة في داخلنا، أو نلهث خلف علاقات خاطئة تُدمرنا، بل ينبغي أن نكون أمناء لزوجاتنا.

في علاقتنا الزوجية نحتاج بشدة إلى عمل وفيض الروح القدس بداخلنا لكي يُعلمنا ويُدربنا لضبط أنفسنا، فلا يركبنا الغضب كحصان جامح لايرى ولايسمع، نحتاج إلى عمل الله لكي يُلّجم عصبيتنا بلجام المحبة وضبط النفس. علينا أن نطلب المساعدة من المتخصصين لكي يساعدونا في النمو في التعامل مع العصبية وكبح جماح الغضب، وعندما نخطئ في حق أحد علينا الأعتذار ثم الأعتذار، لابد من بذل الجهد الصحيح في مواجهة العصبية والغضب لئلا يطيحوا بنا خارجاً حيث الألم والوحدة الشديدة.
عندما يقوم الزوجان بالعمل على إكتشاف العيوب الشخصية والتعرف على الاختلافات التي تنتج من تباين شخصياتهما، واضعين كل تركيز وأهتمام على تغيير أنفسهما أولاً وليس محاولة تغيير الآخر، حينئذ سيظهر الأمل في الأفق، وسيكون هذا علامة الحب التي ينتظرها الآخر لكي يبدأ هو أيضاً في العمل على نفسه لتغييرها ليتوافق وينسجم مع شريك الحياة. هذا، وهناك عدة أمور يلزمنا التدرّب عليها لتحقيق هذا التوافق وهي:
تفادي الصدام
عندما يشتد الغضب والخلاف بين الزوجين، فلابد من إيقاف الحوار والنقاش في الحال، حتى لا يحدث صدام بين الطرفين وتتطور الأمور إلى حيث لايمكنهما حلها. من الضروري التعرف على نقاط الضعف في الآخر أو مواضع  الحساسية في شخصيته، لنبتعد عن الضغط عليها.
ضرورة الاعتدال أو تحقيق التوازن في الصفات الوراثية الخلافية الموجودة بين الزوجين
لتوضيح هذه النقطة نتناول المثال التالي: ولنأخذ صفة (الإنطوائية والإنبساطية)، والتي نقيسها (من صفر إلى 10). إن كانت درجتي هي (9) سوف أبذل جهداً كي أصل إلى (7).. وإن كان شريكي (1)، عليه أن يبذل جهداً حتى يصل إلى (3). بمعنى أن يتحرك الطرفان نحو المنتصف، فيحدث الإتزان ويسهل التفاهم بينهما، فالمسافة ما بين (3، 7) أقل من المسافة مابين (1، 9).
يجب أن نعرف أن نسبة التغير في الصفات الوراثية لا تتعدى أكثر من 15%.. أما العيوب (المكتسبة) فيمكن التخلص منها بنسبة 100%.مثال آخر: زوجان، أحدهما قليل الكلام والآخر كثير الكلام. على الطرف الكثير الكلام أن يساعد الطرف القليل الكلام أن يخرج من صمته بقدر ما يستطيع، والعكس أن يبدأ الكثير الكلام أن يُقلل من كلامه حتى يحدث الإلتقاء بينهما.
عدم الاعتماد على شريك الحياة في تسديد كل الاحتياجات.
في  حياة كل شخص شبكة من العلاقات الإنسانية التي تُشكل فرصة لتسديد بعض من أحتياجاته سواء النفسية أو الإجتماعية مثل العلاقة مع الأخوة والأخوات أو العلاقة مع الأصدقاء وأيضاً العلاقة مع جسد… الخ. لذلك لايجب الإعتماد على شخص واحد وهو شريك الحياة في تسديد الاحتياجات المختلفة لأنه بالطبع لا ولن يستطيع ذلك، لأنه ربما قد لايعرف أن يلعب نفس لعبتك المفضلة، أو يحب مشاهدة نفس البرنامج الذي تحبه وهكذا…
تدريب عملي
أكتب في كلمات قليلة عيوبك الشخصية المكتسبة. ثم أختر واحدة منها للبدء في العمل عليها بنعمة الله، تحدث مع مرشد روحي للمساعدة. ثم اكتب تعهداً مثل هذا:
أتعهد بنعمة الله، وبمساعدة أحدهم، بأن أعمل على الخلاص نهائياً من هذا العيب الموجود في حياتي. بعد ذلك، أعطي هذا التعهد لشريك حياتك. وهذا معناه أنك تعهدت قدامه، بأنك ستبذل أقصى جُهد للعمل على الخلاص من هذا العيب.

Pin It on Pinterest

Share This