كيف أعرف أني نلت موعد الآب؟
تعددت الآراء والاختبارات بين وجوب وجود علامة ظاهرة. البعض يحددها بالتكلم بألسنة، والبعض يقول يمكن أن تكون أي موهبة أو علامة أخرى. لكن ما نعتقده نحن أن الملء غير مرتبط بعلامة خارجية.
هناك اختبارات كتابية قد تتكرر وقد لا تتكر فهي ليست قاعدة ثابتة. وهناك فرق كبير بين الاختبار والتعليم.
هناك مثلاً ظواهر خارقة للطبيعة كثيرة صنعها الله في مواقف متعددة لم تُذكر في الكتاب إلا مرة واحدة، مثل وقوف الشمس في كبد السماء نحو يوم كامل، ورجوع الظل للوراء، وحمار بلعام يتكلم، والمركبة النارية التي اختطفت إيليا، وظهور الألسنة المنقسمة للتلاميذ يوم الخمسين.. الخ. كما أن هناك ظواهر واختبارات تكررت لفترة زمنية ثم انتهت، مثل عمود النار والسحابة التي صاحبت الشعب في البرية، وشق البحر الأحمر مرة واحدة، ونهر الأردن أكثر من مرة.
فالعلامات والظواهر والاختبارات هي تعاملات إلهية من الله مع أفراد أو جماعة من شعبه قد تتكرر وقد لا تتكرر، فليس لها قاعدة ثابتة، ولا نأخذ منها تعليماً لأن التعليم مختلف، فهو مرتبط بمبدأ كتابي واضح، ويكون قاعدة ثابتة لا تتغير، لأن الله هو الذي تكلم عنها وعلمنا إياها، وتتحقق مع كل الناس بنفس الشروط، فمثلاً يعتبر قول المسيح للتلاميذ: «انتظروا موعد الآب» (أع 1: 4)، تعليماً وليس اختباراً، حتى أنه لم يطلق عليه اسم «ملء» إلا بعد حدوثه بالفعل، فلم يقل ستأتي ألسنة منقسمة كأنها من نار، لكن هذا ما حدث يومها (أع 2: 3). ولم تظهر ألسنة النار هذه أبداً في سفر الأعمال بالرغم من تكرار مواقف بعدها، فيها تكلم أشخاص بألسنة، كما ظهرت مظاهر أخرى غير الألسنة.
لا يوجد تعليم كتابي يقول إن الملء عندما يحدث يصحبه ظهور موهبة معينة أو غير معينة لتؤكده، لماذا؟ لأن الملء لا يحتاج إلى علامة. هل نحن في احتياج إلى علامات عندما يغمرنا الروح القدس؟ عندما قبلنا المسيح في حياتنا بالإيمان، وكُتبت أسماؤنا في سفر الحياة وانتقلنا من الموت إلى الحياة ومن الظلمة إلى النور، هل كانت هناك علامة خارجية لأعظم اختبار في حياتنا، وهو الاختبار المسئول عن حياتنا الأبدية؟ يكفينا ما ملأ قلوبنا وقتها من إيمان وسلام وراحة. تغيرت حياتنا، وهذه ليست علامة لتؤكد ما حدث، بل هذه هي النتيجة الطبيعية لسكنى الروح القدس فينا.
وهكذا فالعطية ليست الموهبة كالألسنة أو النبوة أو.. ولكن العطية هي الامتلاء نفسه، والمواهب نتائج للملء وليست هي الملء. بعض الناس يمكنهم أن يمارسوا مواهب بدون ملء لأنها مواهب غير حقيقية وما أكثرها.
انسكاب الروح لا يحتاج إلى علامة، لأنه لو كنا في احتياج إلى علامة لصرنا نبشر بالعلامات ونكرز بمعمودية الروح القدس التي علامتها كذا وكذا. وقتها سيصلي الناس طالبين العلامة وعيونهم عليها وليس على الروح نفسه، فلا نكون قد طلبنا الروح، بل العلامة الظاهرة. والله لا يريدنا أن نقع في هذا الفخ، فهو لا يريد الظاهر بل القلب.
والمسيح نفسه عندما امتلأ من الروح لم تكن هناك أي علامة خارجية مرتبطة بالمواهب، والمسيح مثالنا الحقيقي. وعبر التاريخ المسيحي سمعنا وقرأنا عن كثيرين امتلأوا من الروح القدس، واستخدمهم الله كما لم يستخدم أحداً منذ عصر الرسل، ولم تكن هناك أي مواهب روحية مصاحبة مثل «تشارلز فيني». فعلينا أن نفرق بين ما حدث وبين ما علمنا إياه الوحي.
مرات نختبر اختبارات معينة، ويتحول هذا الاختبار إلى تعليم ندعو الناس لاختباره مثلنا، ونكون صادقين جداً مع أنفسنا أن هذا ما حدث معنا. ولكن من أين لنا أن نؤكد أنه ينبغي أن يكون كذلك مع الجميع؟ وهذا ما يزعج الكثيرين، ويسبب الكثير من المشاكل في وسط الكنيسة. ولكن إذا كان الفارق واضحاً بين الاختبار والتعليم يرتاح الجميع، ونستطيع أن نعيش مع بعضنا في سلام ووحدة حقيقية كتابية.
الكلمة المقدسة كاملة وتحفظ التوازن ولا تُعثِر أحداً، فليس علينا أن نحكم على أحد، ولا ننتظر شيئاً ونهنئه عليه، وإن لم يحدث نستمر في الصلاة ليحدث، فهذا خطر كبير. وهذا المشهد يتكرر كثيرأ في ممارستنا الروحية، فليس هناك طريقة للتأكد من حدوث الملء سوى شهادة الروح القدس داخلنا بسلام الله الذي يغمرنا. إن الإيمان وفيض النعمة الداخلي هو ما نحتاجه.
بذلك يمكن أن تتحقق المعادلة الصعبة: عقيدة كتابية منضبطة، وفي نفس الوقت حرية للروح القدس بها يحق له أن يفعل ما يشاء. علينا الالتزام بدقة الكتاب، لا نضيف ولا نحذف ولا نتدخل باستنتاجاتنا الخاصة، فلا نحوِّل التعليم إلى اختبارات والاختبارات إلى تعليم. وإن عشنا ما قاله الكتاب سيجد كل واحد منا نفسه في الكلمة دون أن يدين أحداً أو أن يلتزم بما حدث مع الآخرين.
يؤكد الرسول بولس هذه الفكرة بكل وضوح، فهو يلغي تماماً وجود شيء عام لا بد أن يلتزم به الجميع حيث يقول: «أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟ وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى، وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ» وبالتأكيد الإجابة «لا». (1كو 12: 29-31)ما هو الفرق بين الملء بالروح ومواهب الروح؟
معمودية الروح تدخلنا إلى مرحلة الانقياد بالروح، والروح يعطينا من المواهب ما يشاء
(1كو 12: 11) وينتج فينا ثمر الروح (غل 5: 16-26).
«كما يشاء» الروح وليس الشخص، فهذه مواهب الروح وهو يعطي كل واحد كما يريد هو.
أحياناً نحث بعضنا بعضاً لطلب موهبة معينة ونصر عليها ونتمسك بها، وأحياناً ننالها لإصرارنا عليها، ولكنها لن تكون بنفس المنفعة أو البركة، بل قد تحجب عنا موهبة كانت أفضل لنا وللكنيسة، كان الروح القدس يشاء أن يمنحها لنا. لهذا تبدأ الطاعة أساساً هنا. نحن ندخل من منطلق الطاعة والتسليم، وليس لنا الحق في أن نملي إرادتنا على الروح القدس، فهو القاسم بمفرده لكل واحد كما يشاء. التزامنا بما تقوله الكلمة المقدسة يريحنا جداً لأننا سنجد إجابة لكل أسئلتنا، فالكلمة المقدسة تتمتع بتوازن هائل، وكلما اقتربنا منها كلما وجدنا هذا واضحاً.
مثلاً: هناك توازن عميق بين الكلمة كتعليم وبين عمل الروح كسيف، فالكلمة هي سيف الروح، سيف بدون روح ليس له قيمة، وروح بدون سيف ما دوره؟ لا شيء. لذلك طوال الوقت علينا الامتلاء من الروح والامتلاء من الكلمة المقدسة.
الاختبار بدون معرفة يقودني إلى الشطط، والمعرفة دون اختبار تحولني إلى حجر أصم، فالتوازن الحقيقي هو في الجمع بين الاثنين معاً.. الكلمة والروح معاً يحفظان نفوسنا في خط مستقيم دون تقلقل، فنجد أن كل ما يحدث في حياتنا يبني ولا يُعثر الجماعة. الحفاظ على هذا التوازن يجعل الجميع في بنيان مستمر كأفراد وكجماعة. فعلينا الحفاظ على التوازن بين المعرفة العميقة للكتاب وبين الاختبار العميق لقوة الله: «تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله» (مت 22: 29) اتزان واضح وروعة كاملة، فالضلال أكيد لو أهملنا جانباً وتمسكنا بالآخر.
أكثر ما علمنا الله هو التوازن وليس العقل، فهو لا يقصد المنطق البشري بل المنطق الإلهي، فالقوة الروحية مبنية أساساً على توازن كامل للحقائق الروحية معاً كالبركة الرسولية مثلاً: «نعمة ربنا يسوع المسيح، محبة الله الآب، شركة الروح القدس» كيف نستغنى عن أي منهم؟ لا نستطيع. أحياناً نريد أن نستغنى عن أبوة الآب، أو نهمل شركة الروح القدس، أو نحد من عمل نعمة المسيح. لا يجوز، فنحن دائماً نحتاج إلى أبوة الآب ولشركة الروح القدس وإلى نعمة المسيح. هذا ما يضمن حياة بلا تراجع وبلا عثرة وبلا شقاق وبلا بدع، فلا يمكن أن يرشدنا الروح القدس إلى أمر نفتح بعده الكتاب فلا نجده فلا يجوز أن نصرح بأن هذا ما قاله الروح ولا نجد الكتاب المقدس يوحي به.
الروح + السيف، المعرفة + الاختبار، الكتب+ قوة الله= اتزان يحفظ حياتنا.
هذا يعطينا دائماً إجابة لما نسأل عنه. فإن لم نجد إجابة فلابد أن نراجع أنفسنا فيما نؤمن به. قال يسوع: «لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد» (يو 13: 7)، وقد جاءه الفهم بعدها بقليل جداً عندما قال له يسوع: فعلت هذا للأسباب الآتية، وشرح لهم ما كان يفعله. الله يريدنا أن نفهم ما نختبره. لا يمكن أن يستمر اختبار لمدة سنوات بدون فهم.
طائرة بجناح أثقل من الآخر لا يمكن أن تطير باتزان، ونهايتها كارثة محقة.
والى اللقاء في الحلقة القادمة