مبادئ تفسير الكتاب المقدس : 1)ليس كل ما قد كُتب قد كُتب على لسان الله , 2(ضرورة فهم المعني اللغوي الأصيل للنص
1) ليس كل ما قد كُتب قد كُتب على لسان الله
المكتوب في الكتاب المقدس هو عبارة عن حوار بين أطراف متعددة (الله , الخطاة , المؤمنين , ابليس ,…..)
أحيانا نسمع داود يتكلم بالانتقام والموت على أعدائه (مز55):
8أَهْلِكْ يَا رَبُّ فَرِّقْ أَلْسِنَتَهُمْ …….., 15لِيَبْغَتْهُمُ الْمَوْتُ. لِيَنْحَدِرُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ أَحْيَاءً لأَنَّ فِي مَسَاكِنِهِمْ فِي وَسَطِهِمْ شُرُوراً…….., 19يَسْمَعُ اللهُ فَيُذِلُّهُمْ وَالْجَالِسُ مُنْذُ الْقِدَمِ ………., 23وَأَنْتَ يَا اللهُ تُحَدِّرُهُمْ إِلَى جُبِّ الْهَلاَكِ……….
فنتعجب كيف يتكلم الكتاب بكلمات الانتقام والغضب هكذا, ولكن علينا الرجوع لنعرف من هو المتكلم في هذه الفقرة.
2) ضرورة فهم المعني اللغوي الأصيل للنص
كُتب الكتاب المقدس بلغات متعددة (العبرية والآرامية واليونانية )، ونفس العبارات أو الكلمات المتعددة لها معاني مختلفة سواء في نفس الزمن أو عبر الأزمنة المختلفة.
مثال:
……… قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ». فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا. (يو20: 17)
من النظرة الأولي للنص نفهم أن المسيح لم يسمح لمريم أن تلمسه، وعلى النقيض من ذلك ما قاله المسيح لتوما في الأعداد التالية :
ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي». (يو20: 27 , 28)
عند الرجوع الي المعني اللغوي الأصلي للفعل الأول في عدد (17) نجد أن زمن الفعل في اليوناني يفيد الإمساك والتعلق وليس مجرد اللمس وبالتالي يصبح معني الآية هكذا ” لا تتعلقي بي (لا تظلي ممسكة بي ) لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي………….
و إذا لم أكن من الدارسين للغات الأصلية يجب أن استعين بترجمات أخري بلغات مختلفة, وكذلك تفاسير مختلفة للكلمة المقدسة. ولنأخذ مثال الآية السابقة، فعند قراءاتها باللغة الانجليزية في ترجمة ALT نجدها هكذا:
Joh 20:17 Jesus says to her, “Stop holding Me, for I have not yet ascended to My Father. But be going to My brothers and say to them, ‘I am ascending to My Father and your* Father, and [to] My God and your* God.'” [ALT]
مثال أخر :
“لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ.” (أف 2: 8)
من النظرة الأولي للنص نفهم أن كلمة ذلك تعود على النعمة والإيمان وبالتالي يصبح المعني هكذا أن كلا من النعمة والإيمان ليسوا منا أي أن الإنسان ليس له دور في الخلاص. ولكن عند الرجوع إلي اللغات الأصلية نجد أن كلمة ذلك لا تعود على النعمة والإيمان والسبب الاختلاف في التذكير والتأنيث بين كلمة ذلك و بين الإيمان، وإنما تعود على الخلاص الذي ليس منا.
من غير فهم المعني اللغوي للنص فهماً صحيحاً، يحدث أن نبني نظريات لاهوتية خاطئة مثل أن الإنسان ليس له دور في الخلاص وهو لا يستطيع أن يؤمن إلا إذا أراد الله ذلك، ولكن المعني الصحيح هو أن الإنسان له دور في الخلاص وهو الإيمان ولكن الخلاص نفسه ليس من الإنسان
Eph 2:8 For by grace you* have been saved, through faith, and this [is] not from you*; [it is] the gift of God, [ALT]
3) ضرورة فهم الكلمات المفتاحية المنتشرة في الكتاب المقدس
يجب أن يكون عندنا فهم واضح لمعاني الكلمات المفتاحية الموجودة في الكتاب المقدس مثل :
• كلمة ” العهد “
فهناك العهد مع آدم
والعهد مع إبراهيم
والعهد مع شعب الله في البرية
والعهد الجديد
• كلمة ” الناموس “
ناموس موسى
ناموس الخطية
ناموس الحرية
ناموس الفرائض
ناموس روح الحياة
• كلمة ” الخلاص “
يرتبط معني الخلاص في ذهن قارئ العهد الجديد بالخلاص من الخطية, أما في العهد القديم فهو يرتبط بالخلاص من العبودية والفقر والسبي والضيق والفشل والخطية فهو مفهوم شامل وعام.
• كلمة ” النبوة “
التعريف الصحيح لكلمة النبوة هي رسالة من الله لفرد أو جماعة وليس فقط الإخبار عن أمور آتية
وهناك أمثلة كثيرة عن كلمات متكررة عبر الكلمة المقدسة ينبغي أن نضع لها تعريفات واضحة مثل عبد الرب, والملكوت, وابن الإنسان ,………
4) الخلفية الجغرافية والتاريخية التي كُتبت فيها هذه الأسفار مثل :
أ. أماكن جعرافية: جبال- أنهار- وديان….. الخ.
ب. اسماء أعلام: أشخاص- بلاد.
ج. أحزاب أو جماعات : دينية- سياسية.
د. عادات وممارسات: احتفال- فرح- حزن- ولائم- تطهير- عبادة.. الخ.
هـ. عملات- أوزان- مكاييل- مقاييس…. الخ.
كُتبت النصوص الكتابية في ظل ظروف تاريخية وجغرافية مختلفة عن عصرنا الحاضر، لذلك عندما نريد أن نفهم النص يجب أن نفهم تلك الظروف التي كُتب فيها النص والعمل على فصل الجزء الخاص بالتاريخ و الجغرافيا عن المعني الذي نريد أن نستخرجه.
مثال : السامري الصالح
“فَأَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ وَمَضَوْا وَتَ
رَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. 31فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِناً نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 32وَكَذَلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضاً إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. 33وَلَكِنَّ سَامِرِيّاً مُسَافِراً جَاءَ إِلَيْهِ وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ 34فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتاً وَخَمْراً وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُقٍ وَاعْتَنَى بِهِ. 35وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ.” (لوقا 10: 30- 35)
هناك بعض المفسرين تفسر هذا المثل هكذا:
الرجل الجريح : آدم في انحداره في الخطية.
أورشليم : الجنة التي سقط منها آدم- المدينة السماوية.
أريحا : عالم الخطية والسقوط.
اللصوص : إبليس وملائكته الشياطين الذين جردوا آدم من خلوده من خلال الجروح.
الكاهن واللاوي : الناموس والشريعة اللذان لا يمكن أن يخلص بهما أحد.
السامري الصالح : الرب يسوع الذي ينقذنا من الخطية.
الدابة : جسد الرب يسوع.
الفندق : الكنيسة.
الدرهمين : العهدين القديم والجديد.
الزيت : الروح القدس.
الخمر : العشاء الرباني
لكن عند الرجوع الي النص و فهم الظروف التاريخية والجغرافية التي تحيط بالنص نجد أن :
جغرافياً: أورشليم تقع في منطقة مرتفعة والمعني ليس له قيمة روحية ، وأريحا من الناحية الجغرافية تقع في منطقة منخفضة وهذا بالطبع لا يعني أنها عالم الخطية.
وعليه، كلمة “نازلاًً” معناها النزول من المنطقة المرتفعة جعرافياُ إلي منطقة منخفضة جغرافياً ولا تعني الانحدار الروحي.
والى اللقاء في الحلقة القادمة…