تناولنا في المحاضرة السابقة المبدأ الاول والثاني من مبادئ التلمذة وهي المواظبة والإنتماء، ورأينا كيف أنهما وجهي عملة واحدة، فالمواظبة تخلق فيً الانتماء والانتماء يساعدني على المواظبة.
والآن سوف نتناول المبدأ الثالث الذي تقوم عليه هذه المدرسة.
أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَِيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ وَلَكِنَّ وَاحِداً يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هَكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولَئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. إِذاً أَنَا أَرْكُضُ هَكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هَكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً.(1كو9: 24- 27)
الانضباط واحدٌ من المبادئ الرئيسية والهامة في حياة كل تلميذ يريد أن يتغير ليكون مشاباً لصورة الرب يسوع.
من الشاهد السابق يمكننا تعريف الانضباط بأنه ضبط النفس والسيطرة عليها والجهاد معها وقمعها وفقاً لمجموعة من التعليمات المعطاة.
والمقصود هنا ليس ضبط النفس في الصراع ضد الخطية فقط، بل هو أيضاً ضبط النفس أمام أي عادة أو أسلوب حياة من شأنه أن يُضعف النفس والروح في مسيرتهم مع الله.
ويتقدم الرسول بولس أكثر في تعريف معنى كلمة الانضباط فيُصور نفسه كلاعب ملاكمة في الألعاب الاوليمبية وهو يسدد اللكمات إلى جسده، وحسب أصول اللغة فهذه الكلمة تعني بالتحديد أنه يسدد اللكمات في المنطقة أسفل عينيه وهي من المناطق الحساسة في جسد الإنسان. إنه يريدنا أن لا نشفق على أنفسنا وعلى الاتجاهات الخارجة منا أو على عاداتنا وأفكارنا بل أن نواجهها بكل حزم وشدة.
فلم يرد الرسول بولس أن يكون جسده ورغباته هما السيد الآمر على حياته، بل أمسك هو بزمام القيادة ليُخضع جسده وشهواته لكي لا يصير هو نفسه مرفوضاً.
أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا.(في4: 8)
علينا أن نختار لأنفسنا الأمور التي نفكر فيها، فلا نترك أذهاننا تفكر في أي شيء من غير ضابط أو متحكم، فمثلاً إذا وضعنا كل تفكيرنا في غضبنا وحنقنا على شخص أخطأ في حقنا فلن نستطيع أن نغفر له، وإذا ملئنا ذهننا بالتفكير في طموحنا وأحلامنا الشخصية سنجد أنفسنا منحصرين في نفوسنا عابدين لذواتنا، وإذا فكرنا في أهوائنا وشهواتنا وأمتلئ ذهننا بالصور النجسة فلا عجب إذا وقعنا في الخطية.
لذلك يجب علينا حتى نستطيع أن نكون تلاميذ للرب يسوع أن نتحكم في أفكارنا التي تدور في أذهاننا.
اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً. (أم16: 32)
علامة من علامات النضوج النفسي هو انضباط المشاعر فلا أكون مُساق وراء مشاعري وعواطفي فتجذبني حيث تريد دون انضباط، ولأن مشاعري ليست مصممة لأجل قيادة حياتي فسوف تكون العاقبة وخيمة.
وَأَمَّا اللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمّاً مُمِيتاً. بِهِ نُبَارِكُ اللَّهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللَّهِ.(يع3: 8, 9)
ليس أبرع وأكمل من الآيات السابقة التي تصف لنا كيف يستطيع اللسان أن يكون بركة لحياة من حولي وكيف يكون لعنة لي ولكل من يسمعني.
مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ. مَنْ يَفْغَرُ شَفَتَيْهِ فَلَهُ هَلاَكٌ.(أم13: 3)
فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. (أف5: 15, 16)
حياتنا هي مجموع الساعات التي نعيشها سواء صنعنا فيها أشياء جيدة أو أشياء سيئة، لذلك يقول الرسول بولس: ” فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ …” (1كو7: 29)،
فالوقت هو أثمن ما في حياتنا “مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ.” (أف5: 16)
يوجد العديد من التطبيقات العملية للانضباط وماتناولناه كان مجرد أمثلة لما ينبغي أن تكون حياتنا عليه مثل الانضباط في صرف الأموال ماذا أشتري؟ ومتى؟ والانضباط في تناول الطعام كميته ونوعيته وهكذا…
الانضباط بهذا المفهوم لا يولد معنا ولا يأتي فجأة وليس هو عطية إلهية أعطاها الله لبعض الناس وأغفلها عن الباقي، بل هو مبدأ من مبادئ مدرسة المسيح يحتاج إلى تدريب مستمر لفترة زمنية حتى يصير مبدأ متأصل في حياتنا.
لذلك لا يوجد شخص لا يستطيع أن يتعلم الانضباط بل كلنا مدعوون أن نتعلم ونتدرب أن نكون منضبطين في حياتنا. أيضاً لا نستطيع أن نتعلم هذا المبدأ الرائع الذي هو الانضباط بالاعتماد على ذواتنا لكن يجب علينا أن ننتمي لهذه المدرسة وسوف يتعهد الرب يسوع بتعليمنا وتدريبنا.
إن تعلَم هذه المبادئ التي تقوم عليها مدرسة المسيح ليس هو شرط القبول والدخول في هذه المدرسة والا لن يلتحق بها أحد، بل هو عقد اتفاق بينك وبين الرب يسوع المسيح مُعلم هذه المدرسة وصاحبها وواضع مناهجها، تقرر فيه بأنك تريد أن تتعلم هذه المبادئ، كما توافق بدون قيد أو شرط أنه في خلال رحلة وجودك في هذه المدرسة أن تتشكل حياتك وأفكارك وفقاً لهذه المبادئ.
رحلة التعلّم في مدرسة المسيح ليست بضع ساعات قليلة أو كثيرة، بل هي رحلة الحياة بكاملها فيها تتحول من خلال هذه المدرسة إلى تلميذ يعيش وفقاً لهذه المبادئ, وهذا هو دور المدرسة التي تُعلّم وتُدرّب وتُتابع حتى تتأكد من تحول هذا الحق إلى حياة حقيقية معاشة.