جاءت كلمة القداسة بمعنيين في الكتاب المقدس
أولهما: بمعنى الإجلال أوالكمال المطلق ونستطيع أن نفهم

SOC-WindosMedia-Logo.jpg SOC-PowerPoint.jpg SOC-pdf-logo.jpg SOC-Q.jpg SOC-Word.jpg
MP3 الحلقة كـ WMV الحلقة كـ P-Point الحلقة كـ PDF الحلقة كـ أسئلة الحلقة word الحلقة كـ

شخصية الله – حلقة 17- صفات الله الأدبية – القداسة

تناولنا في الحلقات الماضية صفات الله الأدبية والتي تتعلق بالمبادئ والقيم التي يتعامل بها الله مع الخليقة، وبدأنا بالصفة الاولى التي هي مفتاح الشخصية الالهية وهي المحبة، ورأينا كيف أن الله هو المحبة وأن كل ما في الله من صفات هو خاضع لحبه، فقدرته الغير محدودة وارادته وعلمه وغيرها من الصفات المختلفة محكومة بالحب وتعلمنا معاً صفات هذه المحبة الرائعة وهي:

1. محبة غير مشروطة

2. محبة غير محدودة

3. محبة صالحة

4. محبة تُعطي

5. محبة تُضحي

6. محبة تشارك وتتحد بالآخر

في هذه الحلقة، سوف ندرس الصفة الثانية من صفات الله الأدبية وهي القداسة

أفرد الكتاب المقدس لصفة القداسة مكانة كبيرة من الحديث حتى ليظهر للقارئ أن هذه الصفة هي من الصفات المفتاحية العظمى لشخصية الله الأدبية، ولكن بالدراسة الكتابية المتأنية سنلاحظ مكانة هذه الصفة بين صفات الله المختلفة. وفيما يلي آيتين وردتا في الكتاب المقدس عن القداسة:

– ترنيمة العذراء القديسة مريم: “لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ ،وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ” ( لو1: 49) وفيها نرى جلال الله في قدرته وجمال الله في قداسته

– نداء السرافيم بعضهم لبعض: “وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ»” (أش6: 3)

ما هي القداسة

جاءت كلمة القداسة بمعنيين في الكتاب المقدس

أولهما: بمعنى الإجلال أوالكمال المطلق ونستطيع أن نفهم هذا من بعض الآيات في الكتاب المقدس حيث لا يقصد الكتاب أن يتكلم عن صفة القداسة بل هو يتكلم عن عظمة ورفعة الله… بهاءه ومجده… جلاله وكماله.

ثانيهما: أن الله بلا شر ومنفصل عن الخطية.. يرفضها ويكرهها.. لا يصنع الشر.. ليس فيه خطية

أحياناً ما تبدو هذه الصفة مخيفة لنا، وكأنها بعيدة عن المحبة التي تملأ قلب الله للانسان لأن قداسة الله تُظهرني كإنسان خاطئ، لا أقدر أن أقترب إليه، وهذا ما كان واضحاً كل الوضوح في العهد القديم حيث كان حضور الله مرتبطاً بالكثير من الأوامر المتعلقة بالقداسة، كما يُمنع اقتراب أي إنسان أو بهيمة من مكان الحضور الإلهي مخافة الموت لأن الله قدوس والانسان خاطئ:

– “وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدّاً”ً. (خر19: 18)

هذه الصورة مازالت قائمة في أفكارنا وقلوبنا عن الله وذلك بسبب إحساسنا بدونيتنا وانحطاطنا في الخطية وعدم استحقاقنا, فأصبحنا خائفين من الله لأنه قدوس ويكره الخطية بدلاً من إرتمائنا في أحضانه بسبب محبته العظيمة التي أحبنا بها، هربنا منه خوفاً من قداسته، وعوضاً عن إلتجائنا إليه عندما نصنع الشر ونرتكب الإثم، هربنا منه إلى الانغماس في الخطية.

واليوم أدعوك عزيزي أن نفهم وندرك معاً ماهو المعنى الحقيقي لكون الله قدوس بلا شر، وذلك في ضوء المحبة التي هي كما ذكرنا قبلاً المفتاح الرئيسي لصفات الله الأدبية.

قداسة الله مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمحبته فهي إحدى تعبيرات محبة الله، فمثلاً محبتي الشديدة لزوجتي تجعلني لا أستطيع أن أفكر على الاطلاق بأن أخونها أو أجرح شعورها لاني أحبها، وليس بسبب كوني رجلاً صالحاً بغض النظر عن حبي لها.

صفات الله ليست مستقلة بعضها عن بعض وكأن كل صفة لها كيانها الخاص بها، فهي ليست باقة من الأزهار الجميلة كل ما يربطها ببعضها هو نفس الشخص، بل على العكس تماماً- صفات الله متكاملة، فكل الصفات لها علاقة بعضها ببعض، فمثلاً المحبة تعني أن لا نصنع شراً بالقريب كما جاء في (رو13: 10): “اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ”, فالكتاب ربط بين المحبة وبين عدم صنع الشر للآخر، هذا معناه أنه يوجد علاقة بين المحبة وبين عدم فعل الشر الذي هو القداسة، وهذا ما يظهر من الدراسة المتأنية للكتاب؛ أن سبب كوني لا أصنع الشر بالقريب هو محبتي لهذا القريب.

فإذا أحببنا أنفسنا فلن نصنع الشر بها، وبالمثل إذا أحببنا الله فلن نصنع الشر في حقه.

عندما سُئل المسيح عن الوصية الأولى والعظمى َقَالَ: “تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ”..(مت22: 37- 40).

لقد غيرً الرب يسوع – في العهد الجديد – مفهومنا عن القداسة وصار الدخول إلى القداسة من باب المحبة في غاية السهولة.. هذا على عكس المفهوم القديم البالي عن القداسة والتي تصورها البعض على أنها متطلب جديد أُضيف وأُثقل به كاهل الإنسان،  وليس هذا فقط بل ستصبح كل الصفات الإلهية الأدبية هي أحجار تعلق في عنق المؤمن الذي يريد أن يحيا مع الله، لتعطله وتعوقه بدلاً من أن تدفعه إلى الأمام في علاقة حية بالله.

إن سبب كراهية الله للخطية – أي سبب كون الله قدوس – ليس هو أن الخطية موجهة ضده على الرغم من أن هذا صحيح وليس لأن مشاعر الله تُجرح نتيجة لها، بل السبب الحقيقي هو أن الله يحب الانسان وما نفعله في حق الله من خطية يدمرنا وينهي سعادتنا، وهذا هو ما يُحزن قلب الله. إذاً القداسة نابعة من أصل الحب, فإذا كانت المحبة نهر متسع فإختيار القداسة وعدم الرغبة في صنع الشر واحدة من روافد هذه المحبة، وبالتالي قداسة الله لا تجعلني خائفاً مرتعباً منه بل هي تُطمئنني أنه لن يفعل بي الشر لأنه قدوس:

– “إِنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ. وَلاَ تُنَجِّسُوا أَنْفُسَكُمْ بِدَبِيبٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ”. (لا11: 44)

– “فَقَالَ يَشُوعُ لِلشَّعْبِ: لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْبُدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ إِلَهٌ قُدُّوسٌ وَإِلَهٌ غَيُورٌ هُوَ لاَ يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ وَخَطَايَاكُمْ”. (يش24: 19)

ماقاله يشوع هنا عن الله مشوب بعدم الفهم لشخص الله، فالمفهوم في العهد القديم عن قداسة الله هو إذا قررنا أن لانعبد الله فسوف يبطش بنا ويغير علينا ولن يغفر لنا خطايانا، ولكننا اليوم، في العهد الجديد، وفي ضوء معرفة الرب يسوع المسيح فهمنا كيف أن الله يغير لنا وليس علينا فهو يغير لصالحنا:

– “لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلَهِنَا” (1صم2: 2)

– “لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي”. (مز51: 11 )

– “يَحْمَدُونَ اسْمَكَ الْعَظِيمَ وَالْمَهُوبَ قُدُّوسٌ هُو”َ. (مز99: 3)

– “وَلَكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ وَطَلَبْتُمْ أَنْ يُوهَبَ لَكُمْ رَجُلٌ قَاتِلٌ” (أع3: 14)

– “لأَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ الَّذِي مَسَحْتَهُ هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيل” (أع4: 27)

– “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي”؟ (يو8: 46)

– “لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ” (عب7: 26)

– “بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ»”.(1بط1: 15- 16)

 

ما الذي يستفيده الإنسان؟

في قداسة الله نرى كراهيته للخطية، وهذا ما يسبب لنا الكثير من المشاكل فنحن نحب الخطية وعندما نختار أن نسير مع الله نصبح وكأننا نضحي بما نحبه (الخطية) حتى يمكننا السير في الطريق الإلهي. الحياة بهذه المعادلة لا تستقيم بل على العكس سوف تهزمني الخطية وتنال مني سريعاً لأني أحبها وأُفسح لها مكان في قلبي، ولكن اختيار القداسة يفصلني عن الخطية وينتزع جذور حب الشر من أعماق قلبي:

– “يَا مُحِبِّي الرَّبِّ أَبْغِضُوا الشَّرَّ.هُوَ حَافِظٌ نُفُوسَ أَتْقِيَائِهِ.مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ يُنْقِذُهُم”ْ. (مز97: 10)

محبة الله والقريب لا يمكن أن تجتمع مع محبة الشر، فحبي لله يجعلني لا أخطئ في حقه، وحبي للآخر يدفعني لعدم استغلاله، فيجعلني أصنع أفضل الخير من أجله، فالقداسة هي اختيار السلوك بهذه الطريقة وهي واحدة من علامات صدق الحب لله.

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة لندرس الصفة الثالثة من صفات الله الأدبية وهي الرحمة.

أسئلة للمناقشة 

  • قبل سماعك ودراستك لهذه الحلقة عن قداسة الله، ماهو مفهومك عن القداسة ؟
  • ماهو مفهوم الله عن القداسة؟
  • ماهي علاقة المحبة التي هي الصفة المفتاحية في شخصية الله وبين القداسة؟
  • ما هي أهمية القداسة والسلوك بأستقامة في حياة التلميذ والخادم ؟
  • “الوصول لحياة القداسة الشخصية أمر في غاية الصعوبة” مارأيك في هذه العبارة ولماذا؟
  • يري البعض أن القداسة حالة نسعي إليها ويراها البعض مكانة نتحرك منها أشرح الفرق ؟
  • ماهو دور الجهاد الروحي في تحقيق القداسة؟
  • بعد دراستك لهذه الحلقة,ماذا تفعل لكي تكون مقدس؟
  • ما هي الاموراالتي مازلت تسلك فيها في عدم قداسة اوتحتاج أن تتوب عنها الأن  ؟؟