الخلوة الشخصية – المقدمة – حلقة 3- أهمية الخلوة الشخصية – أن نعرفه ونعرف أنفسنا
P-Point الحلقة كـ | PDF الحلقة كـ | أسئلة الحلقة | word الحلقة كـ |
MP3 الحلقة كـ | WMV الحلقة كـ | Ipod الحلقة كـ | Iphone الحلقة كـ |
الخلوة الشخصية – المقدمة – حلقة 3- أهمية الخلوة الشخصية – أن نعرفه ونعرف أنفسنا
ثانياً: أهمية الخلوة الشخصية
الصلاة هي أمر جوهري للغاية واحتياج أساسي لممارسة علاقتنا الشخصية الروحية بالله، لما لها من تأثير كبير على كل جوانب حياتنا النفسية والروحية. لذا فقد أوصانا الرب يسوع عدة مرات أن نصلي، ولذلك يجب علينا التعرف على أهمية خلوتنا الشخصية حتى نستطيع أن نمارسها بطريقة صحيحة.
-
زيادة عمق علاقتنا مع الله
هناك عدة طرق نستطيع بها ممارسة علاقتنا الشخصية مع الله، فعبادتنا في الاجتماعات المختلفة هي طريقة من هذه الطرق، شهادتنا عن الرب يسوع وما يصنعه في حياتنا طريقة أخرى، ولكن قضاء وقت للصلاة الشخصية هي الطريقة الأساسية التي بها نستطيع أن نمارس هذه العلاقة بصورتها العميقة، ففيها نستطيع أن نقترب منه لنراه ونلمسه، نعرفه وندركه بوضوح فنرى ونعاين آثار خطواته. فإن كل علاقة حية بين طرفين تحتاج لهذا التواصل المباشر لتستمر وتنمو، فتزداد قوة وعمق. “إنها حوار صداقة ومشاركة حميمة بين المؤمن والرب بما يخص علاقتهما معاً”[1]
-
شبع لأرواحنا ونفوسنا كما للخبز والماء الحي
الله هو المصدر الوحيد للحياة الحقيقية، فهو الخبز الحي النازل من السماء، وهو الماء الحي الذي يعطي الحياة، لذلك فالصلاة الشخصية هي الطريقة الأساسية التي يمكننا بها أن نتغذى ونرتوي ونشبع من الله الحي، لأنها تعيد اتصالنا وشركتنا معه هو مصدر الحياة. ففي الصلاة الشخصية تشبع وترتوي نفوسنا كما من شحم ودسم.
«يَا اللهُ إِلَهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاءٍ لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ. لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ (مزمور63: 1 – 3)
«كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ هَكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ!» (مزمور 42: 1، 2)
الصلاة لها تأثير عظيم على حياتنا، ولنتعرف على الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها خلوتنا الشخصية على عمق علاقتنا الشخصية بالله، وعلى شبع أرواحنا ونفوسنا يجب أن نفهم بالتحديد مالذي يجب أن يحدث في خلوتنا الشخصية، وسوف نجمله اختصاراً في المراحل التالية التي تُمثل درجات السُلم صعوداً من المعرفة ثم الإدراك الى أن نتغير فنُغير:
في الصلاة:
أ. نعرف اللـه
أهم مايجب أن أعرف وأفهم هو شخص الله نفسه، وخلوتي الشخصية هي المكان الأنسب لكي يُعرّفنا بالحقيقة من هو. وحينئذ يأخذ بأيدينا لكي يُدخلنا الى قدس الأقداس فنعرف ثلاث أمور محددة وهي: شخصه، طرقه، إرادته.
-
شخصـــــــــــه
شخصية الله هي: الصفات والقدرات التي يتصف بها الله ويتميز بها عن كل خلائقه، وتظهر في معاملاته [2] ومنها بعض الصفات التالية:
-
محبته
«ترأى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ.»(ارميا 31 : 3)
«وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.»(رومية5 : 8)
«وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.»(يوحنا الأولى4 : 8،16)
-
رحمته
«لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ.» (مزمور 63 : 3)
«الرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ.(مزمور 100: 5)
-
قداسته
«وَهَذَا نَادَى ذَاكَ:«قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ».(اشعياء6: 3)
-
بره
«الرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ.» (مزمور146 : 17)
-
حكمته
«يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الِاسْتِقْصَاءِ!» (رومية11 : 33)
-
حقه (صدقه)
«وَقَدْ أَنْجَزْتَ وَعْدَكَ لأَنَّكَ صَادِقٌ.»(نحميا 9 : 8)
-
أمانته
«إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ»(تيموثاوس الثانية 2: 13)
-
قدرته السرمدية
«لَكَ ذِرَاعُ الْقُدْرَةِ. قَوِيَّةٌ يَدُكَ. مُرْتَفِعَةٌ يَمِينُكَ.»(مزمور 89 : 13)
يقول الأب متى المسكين “أثناء الصلاة يرفع الله الحجاب العقلي عن قلب الإنسان ويكشف له أسرار تدبيره وقيادته للخليقة ولنفسه على مدى الحوادث والسنين الكثيرة فيستشفُ منها الإنسان بوضوح صفات الله”[3]
-
طُرقــــــــــــــه
طرق الله هي: مبادئ فكر الله التي على أساسها وبناء عليها يتصرف، فهناك طرق قد وضعها الله لإعلانه عن نفسه، أيضاً هناك طرق قد أعدها الله لكي نستطيع أن نتلامس معه وندركه ونفهمه، هناك مبادئ قد أرساها الله للنصرة على الخطية، وهكذا…ولنتأمل الآيات التالية التي توضح أن لله طرقه المحددة الواضحة التي يرغب بل ويحب أن يُعلمها لنا.
«طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي»، «يُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ» (مزمور 25 : 4، 9)
«عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ.» (مزمور 103 : 7)
-
إرادته من نحونا
يريد الله أن نكون فاهمين ومدركين ماذا يريد الله لنا، ومنا، أن نصنعه ونحققه في حياتنا الشخصية وأيضاً ماذا يريد أن يُحققه على هذه الأرض.
- قد يريد الله أن يشجعك ويربت على كتفك، أو قد يرغب في أن يَعدك بوعد يريد أن يُحققه لك، أو أن يباركك برؤية أو دعوة لحياتك لكي تعيش من أجله لتحقيقها.
- قد يريد أن يتكلم لك بكلمات التوبيخ والإنذار أو التبكيت.
- قد يرغب الله في أن يتكلم لك بإرشاد وتوجيه في موضوع ما.
كثيراً ما نأتي إلى الله وكل ما يشغل بالنا هو أن نعرف إرادته في أمور الحياة، فندخل اليه حاملين أسئلتنا مطالبينه أن يجيب عليها، مختزلين العلاقة معه في الرغبة في معرفة إرادته في اختيار عمل أو وظيفة ما، زوج وشريك حياة، ولكن هنا يجب أن ننتبه، فعلينا أولاً أن نعرفه من هو، ومن ثم نعرف طرقه ومبادئ فكره، وعندئذٍ يسهل علينا أن نتعرف على مشيئته وإرادته لنا ومنا.
عندما ننظر إلى الثلاث أمور التي يريدنا الله أن نعرفهم عنه في الخلوة الشخصية، نجد أنهم مختلفين ولكنهم في ارتباط عميق بعضهم ببعض، فمعرفتي بشخصية الله وصفاته الطبيعية والأدبية، فهمي لمحبة الله وقداسته ورحمته يجعلاني أقف منبهراً أمام ذاك الإله الرائع، ولأن طرق الله ومبادئ تفكيره تنبع من شخصيته وصفاته لذلك من السهل جداً أن نجد هذا التوافق المذهل بين صفات الله وبين طرقه في تعامله مع الإنسان، ويظهر أيضاً هذا التجانس الرائع بين صفاته وطرقه وبين إرادته ومشيئته فهو لن يريد إلا كل ماهو صالح للإنسانية، لأن هذا مايتفق مع صفاته وطرقه. لذلك نجد أن كلاً من صفات الله وطرقه وإرادته تتوافقان وتتجانسان معاً في سيمفونية رائعة الجمال لتعزف لنا المقطوعة الموسيقية الأجمل على الإطلاق.
أهم مافي الخلوة الشخصية هي لقائي المنفرد الشخصي بمن أحب، لأعرف من هو وماهي طرقة التي يريد أن يعلمني إياها، وما هي إرادته ومشيئته التي يريدني أن أحققها في حياتي ولمن حولي.
-
ب. نعرف أنفسنا (الإنسان)
الأمر الثاني الذي يجب أن نعرفه في وقت خلوتنا مع الله هو من أنا. قد يصعب على الإنسان جداً أن يتعرف على نفسه بمفرده، وذلك لأن قلب الإنسان أخدع من كل شيء ومن الممكن أن يبتلعنا في متاهات ودوائر يصعب الخروج منها، فتكون نتيجتها انحصار داخل نفوسنا، وإنغماس في ضعفاتنا وتقصيرنا. لذلك نحن نحتاج معونة الله في أن يأخذ بيدنا لكي يُعرّفنا من نحن في مرآته هو وليس من منظورنا نحن. هناك أربعة أمور يريدنا الله أن نعرفهم عن أنفسنا وهم: قيمتنا في عيني الله، حاجاتنا الحقيقية، أخطاءنا وضعفاتنا، وزناتنا وإمكانياتنا.
-
قيمتنا في عيني الله
وهنا يرغب الله في اصلاح التشوهات والجروح النفسية التي أصابتنا في مسيرة حياتنا، وهو عالِم أن هذه التشوهات والجروح لن يتم شفاءها إلا بمعرفة قيمتنا الحقيقية في عينيه، لذلك فهو يهتم جداً بذلك[4]. وتتمثل قيمتنا في عينيه في الآتي:
§ على صورة الله وشبهه.
«وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»(تكوين1 : 26)
§ ليس عنده تمييز، جميعنا واحداً فيه.
«لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.» (غلاطية3: 28)
«أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! … الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ» (يوحنا الأولى 1: 1،2)
2. حاجاتنا الحقيقية
يريد الله أن يُعرّفنا احتياجاتنا الحقيقية حتى لانضل وسط شهوات العالم ورغباته التي لاتنتهي، فتتسلط علينا، وبدلاً من أن نسوقها لتخدمنا، نصبح نحن خداماً لها، فنُضل أنفسنا ونتوه.
فالاحتياج الحقيقي الذي يُكلمنا عنه هو لكل كلمة تخرج من فم الله، وليس لكل ما يدخل الجوف من طعام. حاجة الروح والنفس تفوق حاجة الجسد. «فَأَجَابَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ».(متى4: 4)
3. أخطائنا وضعفاتنا
«اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً» (مزمور 139: 23، 24).
كثيراً ما نأتي إلى الله ونشعر وكأن السماء قد أظلمت بعد نور بهيج، ولكن الله يريد أن يكشف لنا ماهي أسباب هذه الظلمة التي نجتازها، فيبتدأ ينير أذهاننا ويكشف عن أخطائنا وضعفاتنا التي حجبت رؤيتنا عن رؤية نور إلهنا.
- فقد تحتاج هذه الأخطاء إلى توبة ورجوع
- أو قد تحتاج هذه الضعفات الى إصلاح وتقويم
فالله لايكشف لنا فقط عن الخطية بل جذورها وأسبابها وهذا الأهم.
4. وزناتنا وإمكانياتنا
يريد الله أن يكشف لنا وزناتنا الطبيعية المحمولة على جيناتنا الوراثية، ومواهبنا الفوق الطبيعية التي باركنا بها بسكنى وملء الروح القدس، ومن ثم أدوارنا ومهمتنا في ملكوت الله، وبذلك نكون قد فهمنا كيف يريد الله أن يستخدمنا ووزناتنا ومواهبنا لمجده.
يريد الله أن نرى نفوسنا في مرآته، فنرى قيمتنا في عينيه، وحاجاتنا الحقيقية التي نحتاج إليها، وما هي أخطائنا وضعفاتنا الفعلية التي يريد أن يُغيرها، وما هي وزناتنا وإمكانياتنا الواقعية التي يريد أن يستخدمها لمجده.