الله سرمدي (أزلي أبدي)

ما هو الزمان، وما هي علاقته بالأزلية والأبدية؟

* الزمان هو الدوام الذي نقيسه بتوالي الحوادث. والحادثة المشهورة المعينة لذلك هي دوران الأرض اليومي. ويُقسم الزمان باعتبار نظرنا إليه كماضٍ وحاضر ومستقبل. وهو أمرٌ اعتباري أو نسبي، أي عبارة عن النسبة بين الحوادث المتصلة المتوالية باعتبار تواليها. وهو مختص بالمخلوق دون الخالق، ونسبته إلى الأزلية والأبدية هي كنسبة شيء محدود لشيء غير محدود. فالزمان جزء من المدة غير المحدودة، محدود ببدايته وبنهايته، ويتميز عن الأزلية والأبدية بتتابع الحوادث فيه، ونحن نميز مروره من ذلك التتابع. على أن حياة الله لا علاقة لها بالزمان، فمن خواص الزمان التوالي والله منزه عنه. إلا أنه يتنازل لتمييز التتابع الزمني في ما يتعلق بحياة المخلوقات.

ما هو المقصود بسرمدية الله؟

* المقصود بها أن الله دائم غير محدود بزمان، كما هو غير محدود بمكان. ولا يُقاس دوامه بتوالي الحوادث، لأنه سرمدي، ليس له بداية ولا نهاية. وهو لا ينظر للزمان إلا بالنسبة لخلائقه. وهو منزه عن الزمان تنزُّهه عن المكان. وهو في كل زمان كما هو في كل مكان، ولا فرق عنده بين الماضي والحاضر والمستقبل، فكل الأزمنة بالنسبة إليه كالحاضر بالنسبة لنا. ولكنه يعلم الزمان كأمر مختص بالخليقة المحدودة التي لا بد فيها من توالي الحوادث.

ما هي نصوص الكتاب المقدس عن سرمدية الله؟

* منها قول المرنم «مِن قَبل أن تُولد الجبالُ أو أبدأتَ الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت الله.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمسٍ بعد ما عبر، وكهزيعٍ من الليل» (مز 90: 2، 4). وقوله «من قِدَمٍ أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى، وكلها كثوب تبلى. كرداءٍ تغيرهن فتتغير. وأنت هو، وسنوك لن تنتهي» (مز102: 25-27). وقد سُمي الله في الكتاب المقدس «الإله الأزلي السرمدي، الذي له وحده عدم الموت» (إش 57: 15 و44: 6 و2بط 3: 8 وعب 13: 8 ورؤ 1: 4).

فنرى من هذه العبارات وأمثالها أن الله بدون بداية ولا نهاية، كائن الآن وكان منذ الأزل ويكون إلى الأبد. والماضي والحاضر والمستقبل دائماً أمامه. ويتفق العقل والكتاب المقدس في ذلك، لأن العقل يحكم بوجوب علة العلل، ومتى وصل إليه التزم بالتسليم أنه واجب الوجود، وأن العلة التي ليس لها علة ينبغي أن تكون أزلية، لأن العلة الأصلية من الوجه الواحد ليست معلولة من علة غيرها، ومن الوجه الآخر غير قابلة للملاشاة، لأن ما ليس له بداية ليس له نهاية.

كيف تبرهن أن الماضي والمستقبل هما حاضر عند الله؟

* يصعب على العقل البشري أن يدرك كيف أن الماضي والحاضر والمستقبل أمام الله كوقت واحد. فإن كان الكلام في ذلك من جهة الحوادث كان المعنى أن أوائلها وأواخرها وأسبابها ونتائجها حاضرة أمامه معاً. فكما أن الإنسان الذي ينظر من طائرة يرى قافلة كبيرة من أولها لآخرها في لحظة واحدة، مع أن غيره وهو يسير على الأرض لا يرى إلا ما يمر عليه منها، ويحسب بعضها قد مضى عنه وبعضها صار أمامه، وبعضها سوف يمر عليه.. هكذا يرى الله كل شيء من فوق، فيرى سلسلة الحوادث الزمنية جميعها حاضرة أمامه معاً. وما يراه البشر في كل أيام حياتهم يراه الله في سمو علمه بلا زمان. فإذا سأل سائل: هل تتوالى أفكار الله؟ أجبنا: وإن ظهرت لنا نتائج أفكار الله متتابعة تتابعاً زمنياً، إلا أننا لا ننسب إليها ذلك. لكن يجوز أن نقول إن الله عالم بالحوادث مع تواليها بعضها ببعض (مز 90: 4 و2بط 3: 8).